تفاصيل العمل

عند البحث في سورية عن حضارات مرت فلابد لك من توجيه دفة بحثك الى محافظة ادلب الخضراء ، والتي سميت بهذا الإسم نسبة إلى موقعها المميز في منبسط مرتفع ك جزيرة وسط بحر من الأشجار المثمرة، اذ يغلب عليها أشجار الزيتون المعّمِرة دائمة الخضرة .

لقد كانت ادلب مركز لعبادات سميت بالوثنية فورثت حضارات متنوعة وآثار كبيرة تراها إلى يومنا هذا، اما مدينة اليوم المنسية او الميتة التي وبالمناسبة أطلق عليها أسماء عديدة، هي بلدة بابسقا التي كانت تعتبر من أهم الحواضر التجارية التاريخية في الريف الشمالي للمدينة.

و بابسقا قرية في شمال غرب سورية نسبت إلى المدن المنسية من قبل التراث العالمي لليونسكو ، وشكلت القرية واحداً من أهم المراكز التجارية في شمال جبل باريشا في الفترة البيزنطية ، إذ يشهد على ذلك وجود الأسواق في الأقسام الشمالية والشمالية الغربية من خرائب القرية، وتشير الدراسات أن الحياة بدأت فيها في العهد الروماني اي في القرن الثاني الميلادي حسب دراسة الباحث الأثري فايز القوصرة، ثم ازدهرت حضارتهم بين القرنين الخامس والسابع الميلادي لقربها من طريق التجارة في العهد الروماني، واستمرت إلى القرن الثالث عشر والرابع عشر ميلادي، ثم توالت عليها الزلازل والجفاف والحروب مما جعل سكانها يهاجرون، كما تضم بقاياها الأثرية كنيستين بازليكيتان، يشار للأولى بإسم "كنيسة ماركيانوس" حيث لها مدخلين على الجدار الجنوبي يفتحان على ردهة، وتحتوي على صحن واسع محاط بممرات غير متساوية، وقوس الشانسل المرتفع والمشكل بأعمدة ممر طويلة، أما الكنيسة الثانية الغربية فهي بيزنطينية حديثة، لها صحن من أربع فتحات، وكاهن مستطيل مع غرف جانبية مربعة.

اشتهرت القرية بديرها المتجه إلى الجنوب مما أعطاها المجال للاستفادة من ضوء الشمس كأنارة طبيعية.

اشتهرت بابسقا بحمامين كبيرين للعامة أحدهما للرجال والآخر للنساء، يقصدهم السكان والقوافل التجارية،وهما موجودان في منطقة جبل باريشا ، وهي ذات طراز فخم ونقوش أثرية، تشير الأرصفة والأروقة إلى الهياكل التاريخية المكونة من طابقين وثلاثة طوابق في هذا الموقع، بالإضافة إلى ذلك لا تزال هناك أقبية أنفاق ، والتي توجد عادة فقط في الحمامات والمقابر في شمال سوريا ، وبالتالي تساعد في تحديد هذا الهيكل كمركز حمام، هذا إلى جانب احتوائها على 52 بيت لتجار بيزنطة أثرياء،وأهم مركز تجاري في جبل باريشا، وسوق يعود تاريخه إلى 547 م وهو عبارة عن مبنى طوله 33م يتقدمه رواق من طابقين.

ولقد انتشر فن العمارة الزخرفي خلال القرون الرابع والخامس والسادس ميلادي، حيث نلاحظ فوق كل باب زخارف مختلفة ومتعددة المفاهيم، حيث أنها تعبر عن ثقافة المنطقة، فكان يرسم قرص بداخلة نقش إما صليب أو أربعة لآلئ ترمز للأناجيل الأربعة، ومحاطة بمسننات ترمز إلى أن الحياة متداولة جيلاً بعد جيل، حيث دلت أن العمارة استمدت فنها من الرموز الدينية.

وقد ذكر البروفسور الفرنسي “إيف دودج” الخبير الأول لدى اليونسكو :

«إن”المدن المنسية” الموجودة في سورية مواقع فريدة من نوعها وغنية بعددها وأهميتها وهي الوحيدة في حوض “البحر المتوسط”التي يمكن أن نتحدث من خلالها عن تاريخ الإنسانية، وتسجيلها على لائحة التراث العالمي ستكون مصدر إشعاع حضاري كبير على مستوى العالم.

لكن وبالرغم من الاهمية الكبرى التي تمثلها هذه المنطقة إلا أنها تتعرض لعمليات نهب وتنقيب اضافة الى الاهمال اذ انها لم تلقى الاهتمام أو التطوير اللازم رغم أهميتها التاريخية والاقصادية.