مقال عن كيف أصبحت البيانات المحرك الخفي وراء صفقات ميركاتو اللاعبين في عالم كرة القدم؟

تفاصيل العمل

يشكل عالم كرة القدم سوقا عالمية، يتنقل عبرها اللاعبون الكبار والمشاهير باستمرار من هذا النادي إلى ذاك. فلاعبٌ مثل ديفيد بيكهام لعب بقمصان أندية في بريطانيا وإسبانيا والولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا على مدار مسيرته الكروية.

ويوقع اللاعبون المحترفون عقودا مع الأندية لمددٍ محددة قد تصل إلى خمس سنوات. وإذا انتقل لاعبٌ من نادٍ إلى آخر قبل انتهاء مدة عقده، يتعين على ناديه الجديد تعويض النادي القديم، بمبلغٍ من المال يُعرف باسم “رسم انتقال”.

وأثناء حديث صحفي أجراه أحد الصحفيين في صحيفة إل موندو ديبورتيفو (بالإسبانية: El Mundo Deportivo ) الرياضية الشهيرة، قال أحد المدراء الفنيين حول انتقال اللاعبين وأهمية البيانات في هذا أن: «الحقيقة الواضحة أنه لا يجب أبدًا التعاقد مع لاعب بناءً على البيانات وحدها، ومن ناحية أخرى، لن نتعاقد على أساس مقاطع الفيديو أو المراقبة المباشرة. نحتاج لفهم الصورة الكاملة واستكشافها».

جاء هذا الكلام نتيجة نمو استخدام تحليل البيانات في كرة القدم الذي كان له تأثير خاص في موضوع التعاقد مع اللاعبين، لأن الفريق لن ينجح أبدًا دون اللاعبين المناسبين.

من الصعب اتخاذ قرارات التعاقد الصحيحة، فمع ضغط الوقت في نهاية فترة الانتقالات، يدفع الوكلاء اللاعبين لإبرام صفقات تعاقد مربحة، ويطالب المشجعون بأسماء كبيرة، ويشارك الصحفيون في نشر الأخبار والإشاعات. يعد استخدام البيانات طريقة للتغلب على هذه الفوضى ووسيلة لاتخاذ القرار الذكي والابتعاد عن القرارات السريعة والعاطفية.

كان يُطلَب من المراقب التقليدي مشاهدة مباريات كثيرة، وأن يستخدم حكمه لتقدير إمكانية التعاقد مع اللاعب أم لا. الآن يُستخدم تحليل البيانات لأداء هذا العمل.

تعمل الأندية المتقدمة التي تلعب في الدرجات الأولى على توظيف أفضل المواهب من جميع أنحاء العالم، وتتنافس هذه الأندية فيما بينها في سوق الانتقالات، وقد تصل رسوم انتقال بعض اللاعبين إلى أرقام فلكية. ويعد تحليل البيانات أداة قيمة لفحص مئات الآلاف من اللاعبين حول العالم، فهو يوفر عددًا كبيرًا من الخيارات عن اللاعبين الذين يستطيع النادي استكشافهم، ويسمح للنادي بالتركيز على اللاعبين الأكثر احتمالًا والأكثر ملائمةً.

عند العمل بأسلوب تحليل البيانات، تستطيع الأندية اكتشاف لاعبين في أماكن غير متوقعة، وقد يستطيع هؤلاء رفع مستوى النادي وبنفس الوقت هم متاحين بسعر مناسب.

ما البيانات التي تستخدمها أندية كرة القدم؟

ينتشر استخدام البيانات الآن في كرة القدم، وباتت الكثير من الأندية تتعاقد مع اللاعبين الجدد اعتمادًا على هذه البيانات، إليكم بعض الأمثلة:

نادي برينتفورد “ Brentford F.C“

حقق برينتفورد ربحًا كبيرًا في سوق الانتقالات في السنوات الأخيرة، وذلك باستخدام النموذج التحليلي الخاص به لمقارنة القوة النسبية للفرق من مختلف البطولات، حيث تمكن النادي من العثور على لاعبين موهوبين سواء في الدوريات الإنكليزية أو في الخارج في دول مثل فرنسا والدنمارك. باع برينتفورد لاعبين موهوبين مثل أولي واتكينز ونيل موباي إلى أندية الدوري الإنكليزي الممتاز وحقق مكاسب مالية كبيرة، وذلك بعد أن ذاع صيتهم في برينتفورد.

نادي ليفربول “Liverpool“

يُعد ليفربول من أهم الأندية التي نجحت في استخدام البيانات في سوق الانتقالات، إذ تؤدي البيانات دورًا مهمًا في قدرته على العثور على اللاعبين المناسبين الذين يتمتعون بأسلوب لعب مضاد وسريع، وهذا ما يفضله المدير يورغن كلوب. كانت استراتيجيته في التعاقد في السنوات الأخيرة ناجحة جدًا، إذ استقطب النادي لاعبين أمثال محمد صلاح وفيرجيل فان ديك وأليسون بيكر الذين ساعدوا النادي على الفوز بدوري أبطال أوروبا عام 2019 والدوري الممتاز عام 2020.

طوّر إيان جراهام، مدير الأبحاث في قسم البيانات في ليفربول، طريقةً فريدةً لتحليل أداء اللاعب. إذ استخدم بيانات كل تصرفات اللاعب على أرض الملعب (مثل التدخل أو التمريرة أو التسديدة) لحساب مدى تأثير ذلك على فرص الفريق في تسجيل هدف، ويُسمي هذا المقياس باحتمالية الهدف المضافة.

نابي كيتا (Naby Keïta)

تعاقد ليفربول مع لاعب خط الوسط الغيني نابي كيتا دراسة إحصائياته، وقد لفت هذا اللاعب انتباه جراهام أول مرة عندما كان في نادي ريد بول سالزبورغ النمساوي، كان معدل إتمامه للتمريرات أقل مما كان متوقعًا للاعب خط وسط كبير، لكن مقياس (احتمالية الهدف المضافة) أظهر أن نوع التمريرات التي لعبها كيتا كان من المرجح أن تؤدي إلى هدف. أوصى جراهام أولًا بأن يوقع النادي مع اللاعب في عام 2016، وفي النهاية تعاقد اللاعب مع نادي لايبزيغ الألماني في عام 2018.

محمد صلاح (Mo Salah)

أوصى جراهام بالتعاقد مع محمد صلاح بناءً على بياناته أيضًا، فقد لعب المهاجم المصري في الدوري الإنجليزي الممتاز مع تشيلسي اللندني سابقًا، لكن الفترة التي قضاها في إنجلترا كانت غير ناجحة وقد لعب 19 مباراة فقط وسجل هدفين خلال الموسمين اللذين قضاهما هناك. وبالنظر إلى إحصائيات صلاح شعر جراهام أن الوقت الذي قضاه في تشيلسي قد لا يشكل حافزًا للتعاقد معه، ولكن هذا النقص عوضت عنه البيانات الإجمالية في مسيرته ككل، وكان جراهام محقًا وصلاح حقق نجاحًا كبيرًا في النادي.

ليست البيانات حكرًا على الأندية الكبيرة فقط، إذ يستخدم نادي ديربي كاونتي التحليل الإحصائي للتعاقد مع اللاعبين أيضًا.

أهمية فهم البيانات ودراستها بشكل مُفصل

بالنسبة لمسؤول التوظيف جو مكلارين، فإن فهم سياق الإحصائيات أمر بالغ الأهمية عند النظر في التعاقدات المحتملة، ولا يجب الاكتفاء بالنظر إلى العدد الإجمالي للإحصائيات، كعدد مرات الفوز أو عدد المشاركات في التصفيات. يقول مكلارين: «قد تكون هذه الأمور مضللة إذا أُخرجت من سياقها لأسباب عديدة، فمثلًا يجب أن تدافع الفرق الأقل ترتيبًا في الدوري بطريقة أكبر وبالتالي ستحقق أرقامًا أعلى حسب هذه الإحصاءات».

يفضّل مكلارين النظر إلى إحصائيات النسبة المئوية، كنسبة التدخلات التي يستحوذ بها اللاعب على الكرة أو التمريرات العرضية، يسهّل هذا مقارنة اللاعبين الذين تلعب فرقهم بتكتيكات مختلفة أو ضمن ترتيبات مختلفة من الدوري. ومثل مقياس (احتمالية الهدف المضافة) لجراهام، تجعل هذه الطريقة البيانات أكثر وضوحًا، وتسمح أيضًا للنادي بالحكم على أداء اللاعب وإن كان في فريق يلعب بطريقة ضعيفة. وقد يضع النادي أوزانًا مختلفة لهذه الإحصائيات عند النظر إلى اللاعبين في الخارج اعتمادًا على جودة الدوري، وذلك للمقارنة بين لاعبي كرة القدم في البلدان التي تلعب على نحو مختلف عن طريقة اللعب الإنجليزية.

مثلًا عند تحليل جراهام لمحمد صلاح لم يعطي أهمية لمواسمه السيئة في تشيلسي بعد النظر إلى البيانات على مدار مسيرته. يستخدم نادي ديربي أيضًا بيانات من المواسم السابقة لمحاولة تحديد اتجاهات التعاقد مع النظر إلى بطولات الدوري المختلفة التي ربما يكون اللاعب قد شارك فيها، مع أخذ زملائه المختلفين الذين سيلعب معهم في أرض الملعب بالحسبان.

يُستخدم تحليل البيانات لتحديد اللاعبين المحتملين لكل مركز بما يتناسب مع الطريقة التي يريد المدرب أن يلعب بها الفريق. يُشاهد هؤلاء اللاعبين بعد ذلك، إمّا على الفيديو أو شخصيًا، وتُقارن إحصاءاتهم بالمرشحين الآخرين ومع اللاعبين الذين يمتلكهم النادي بالفعل في نفس المركز.

ما تزال مشاهدة اللاعب أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لنادي ديربي نظرًا لوجود معلومات مهمة حول اللاعبين لا تغطيها البيانات.

يقول مكلارين: «يجب أن ترى اللاعب لتعرف مدى احتفاظه بهدوئه تحت الضغط، وكيف سيكون رد فعله في مواقف محددة. لا بد من تحديد إن كان اللاعب يحب اللعب الجماعي ويتمتع بحس القيادة والسلوك الجيد، خاصة في موسم البطولة المكون من 46 مباراة. لهذا أود أن أقول إننا استخدمنا المشاهدة الحية والفيديو ومراجعة الشخصيات لمعرفة ما هو أكثر من الإحصائيات».

ختاماً

كرة القدم هي لعبة معقدة وتكثر الأحداث (داخل الملعب وخارجه) التي قد تؤثر في أداء اللاعب. لا يوجد أي تعاقد مضمون النجاح بالكامل، ولكن عند استخدام البيانات بدقة جنبًا إلى جنب مع أشكال الاستكشاف الأخرى، سنلاحظ تأثيرًا كبيرًا في قدرة النادي على العثور على اللاعبين المناسبين له. الكلمات المفتاحية: البيانات، ادارة البيانات، انتقال اللاعبين، الميركاتو