الكتابة ومقاومة النسيان
يقضى وليد دقة هذا العام عامهُ الخامس والثلاثين داخل السجن، بمعنى أخر يُمكن لنا القول أن وليد دقة يحفرُ في جليد العزلة البادر منذ أكثر من ثلاثةِ عقود من الزمن، وخلال كل هذه السنوات يقدم وليد دقة محاولاته مُثابرة وحيّة للضربِ في جدار العزلة بمعاول كثيرة، أكمل وليد دراسته وحصل على الماجستير، وهرّب نطفة إلى خارج السجن لتكون ميلاد، ومارس فعل الكتابة وكلّها فجوات في جدران العزلة، محاولات رفض لمصادرة الحياة بواسطة قنوات اتصال مع الخارج، مع الآخر ثم مع الذات، ولعل أكثرها أهمية بعد فعل تهرّيب النطفة إن لم يكون موازياً لأهميةِ فعل التهريب أو متفوقاً عليه، هو فعل الكتابة. حينَ أرادَ وليد أن يورّث ذاتهُ بيولوجياً، هرّب النطفة لتكون ميلاد ويكون أبناء ميلاد ويكون أبناء أبناءها وهكذا دواليك تستمرُ فكرة وليد البيولوجية في التناسل إلى ما لا نهاية، وهنا تتوقف فكرة السجن، لكنه حينَ أراد أن يورّث قضيتهُ وإيمانه وقناعاته وأفكاره وروايتهُ مارسَ الكتابة، وهرّب الرسائل والمخطوطات والتسجيلات الصوتيّة، كتبَ وليد مقالات وكتب داخلَ السجن، لعّل من أكثرها لفتاً للنظر عملين روائيين للأطفال واليافعين أصدرتهما مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، بعد أن تم تهريبها من السجن، "حكاية سر الزيت" الصادرة عن مؤسسة تامر وكتاب "سر السيف" الصادر حديثاً، عملين أدبيين إبداعيين يمارسُ من خلالها وليد فعل كتابي إبداعي يختزل بكثافة وخفة مذهلة تجربة السجن بطريقة قلّما تُشاهد في أدب السجون، بلغة تمزج بين العامية المحكية والفصحى وسرديّة تقوم على الفعل العجائبي والمغامراتي وبحس فكاهي وخفيف.
اسم المستقل | محمد ا. |
عدد الإعجابات | 0 |
عدد المشاهدات | 42 |
تاريخ الإضافة | |
تاريخ الإنجاز |