(1)
لن تفهم معجزة الحياة إلا عندما تسمح بحدوث ما هو غير متوقع!!
هكذا تأتي خلاصة الرسالة التي أرادها الروائي البرازيلي باولو كويلهو في الجزء الأول من ثلاثيته (في اليوم السابع)، والذي جاء بعنوان (على نهر بييدرا جلستُ فبكيت).
الأمر الذي لفت نظري حقًا أثناء قراءتي للرواية أنّ كويلهو منحنا في خاتمتها رسالة موجهة لقلوبنا وعقولنا حيث يقول: "شقي هو من يخاف المجازفة، قد لا يتعرض أبداً للخيبة ولا لفقدان الأمل، قد لا يتألم مثل هؤلاء الذين يسعون وراء حلم، ولكنه عندما سينظر إلى الوراء (ذلك لأننا ننظر دائما إلى الوراء) فإنه سيسمع قلبه يقول له ماذا فعلت بالمعجزات التي زرعها الله في أيامك؟ لقد دفنتها في قاع ثقب لأنك خفت من ضياعها"
يبدو أنّ كويلهو حاول استكشاف أعماق النفس الإنسانية والغوص في تناقضاتها، ليجعل خياراتنا هي المصير النهائي لقراراتنا التي تحكم مصائرنا!!، من خلال رحلة قامت بها بطلة الرواية (بيلار) لاستكشاف ذاتها بحثاً عن الحقائق التي كانت تجهلها، في تلك الرحلة اختبرت (بيلار) مشاعرها التي كانت تجهلها، عاشت القلق، الخوف، الطمأنينة، الحيرة، ومشاعر أخرى كثيرة.
هذه الرواية جعلتني أتوقف لوهلة مع نفسي لأتساءل:
ألسناً جميعنا (بيلار)؟، ألسنا نخاف المجهول فنركن لأنفسنا؟ نبتعد عن العالمين حيناً، وحيناً نحاول الاقتراب، في محاولة منّا لإدراك معنى السلام الداخلي – الذي أراهن أننا في خضّم مخاوفنا- نتجاهل حاجتنا إليه!!
ولكن هل حقاً لنحصل على السلام الداخلي في أرواحنا وقلوبنا علينا أن نركن لأنفسنا ونبقى أسرى تقبّل الواقع كما هو لأننا كما يقول كويلهو (ننظر دائماً إلى الوراء)، أم أنّ علينا المجازفة والمحاولة والتجربة مغامرين بما يصادف ذلك من مشاعر شتى قد يكون الألم جزءاً منها؟ هل علينا حين نسعى لحلم ما أن نختبر مشاعراً كثيراً جزءاً منها الألم والحرمان والفقدان؟
(على نهر بييدرا جلستُ فبكيت)
قرأتها ثلاث مرات، في كلّ مرّة ينساب شعور من السلام الداخلي إليّ، لكنني أعاود بعدها الخروج من قمقم ذلك الشعور لأتسائل هل نحتاج للمجازفة حقاً لنفهم معجزة الحياة؟؟ هل غير المتوّقع هو ما يمنحنا الجواب الشافي على تساؤلاتنا الداخلية؟؟
(2)
فيرونيكا -بطلة الرواية- صبية حسناء لم تتجاوز الرابعة والعشرين من العمر، تملك الجمال والمال والعائلة المحبّة، لكنّها تعاني صراعاً مع نفسها الخاوية التي لم تعرف الشغف لذلك لم تقدّر قيمة الحياة، حينها تقرّر فيرونيكا الانتحار من خلال تناول كمية كبيرة من الحبوب المنوّمة على أمل أن لا تفيق بعدها!!.
المفاجأة كانت حين فتحت عيناها لتجد نفسها في مستشفى للأمراض العقلية، حيث يخبرها طبيبها بأنها نجت بأعجوبة من جرعة الحبوب القاتلة لكنها آذت قلبها الذي لن يعيش إلا لأيام معدودة لا تتجاوز الأسبوع.
أسبوع فقط منحته الحياة لفيرونيكا التي لم تكن تجد في الحياة ما يستحق البقاء، أسبوع سمحت الفتاة فيه لنفسها اكتشاف الحياة حولها فلم يعد لديها ما تخشى خسارته، لتسمح لقلبها أن يعيش مغامرة المشاعر التي لم تكن تسمح له سابقاً أن يجرّبها لتتعرف على نفسها من جديد وتختبر مشاعرها من جديد، فتكتشف أن كلّ لحظة من لحظات وجودها عبارة عن خيار وعليها الاختيار!!.
في أيامها الأخيرة تكتشف فيرونيكا حقيقة وجودها لتصبح أكثر رغبة بالحياة وأكثر إقبالاً عليها!!، لأنها أدركت –كما يقول كويلهو- (بأنّ الحياة لعبة) وبأنّ معضلة الناس تكمن –على حدّ تعبيرها- (البشر لهم نفس النظرة الخاوية، لكنهم يتظاهرون باستغراقهم الشديد في أمور مهمة).
في هذه الرواية يعيش كويلهو مع بطلته صراع الأسئلة الجوهرية التي نسألها لذواتنا كلّ يوم، مثل: ماذا أفعل في حياتي؟ ولماذا أستمر في العيش؟ ما الجديد الذي يمكنني انتظاره؟ ولماذا أنا؟ لتجد فيرونيكا الإجابة بعد أن عرفت الشغف وفقدت الحياة، فهل يمكننا ذلك ونحن ما نزال نصارع الحياة؟
(3)
الشيطان والآنسة بريم إنها الرواية الثالثة التي تأتي ختاماً لثلاثية (في اليوم السابع) لباولو كويلهو في رواية تختبر الخير والشرّ أمام سلطة المال. فكما أنه ما كلّ ما يلمع ذهباً، فإنه ما كلّ كائن بشريّ إنسان!!.
تبدأ الرواية في قرية بيسكوس الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكّانها 281شخصاً، أصغرهم الآنسة بريم والأكبر فيهم هي العجوز برتا.
سكّان مسالمون حتى تأتي اللحظة التي تضعهم في اختبار حقيقيّ مع مبادئهم، حيث يواجهون أصعب سبع ليالٍ في حياتهم حين يزورهم غريبٌ أتى القرية باحثاً عن جوهر الكائن البشريّ ليفهم السبب خلف قتل عائلته دون أيّ سبب يبرّر قتلهم.
يلتقي الغريب بالآنسة بريم ويخبرها بأنّه قام بدفن إحدى عشرة سبيكة ذهبية في الغابة، سيكون لها وحدها سبيكة ذهبية كاملة إذا قامت بإبلاغ أهل القرية أن السبائك العشر ستكون ملكاً لهم إن قتلوا واحداً منهم خلال أسبوع يبدأ من تاريخ دخول الغريب للقرية.
بداية الاختبار يكون مع الآنسة بريم التي تقاوم بريق الذهب في البداية، لكنها في اليوم الثالث تختار السبيكة وتخبر أهل القرية بالأمر، ليبدأ الصراع بينهم حين تتنازعهم أطماعهم، فالذهب سيبدّل مصائرهم، ويخرجهم من عوزتهم، وحين يفكرون بالخيار الأفضل يجدون في العجوز "برتا" خير أضحية، تلك العجوز المجنونة –على حدّ ادعائتهم- والتي لا تنفكّ تمارس دور الحكيم عليهم بعد أن فقدت زوجها قبل عشرين عاماً، حيث برّر الجميع جواز قتلها لأنّ التوبة لا تكون إلا بعد الإقدام على الذنب.
حين يبدأون تنفيذ خطتهم الشريرة تواجههم بريم التي استيقظ ضميرها، فتحاول بشتى الطرق إيقاظ الجانب الطيّب فيهم لتنجو في النهاية برتا ويثبت للغريب خطأ نظريته حول الطبيعة الشريرة للإنسانية، فيغادر القرية مانحاً الآنسة بريم جميع سبائك الذهب.
في الشيطان والآنسة بريم يجعلنا كويلهو نعيش الصراع الأزلي بين الخير والشر داخل النفس البشرية، حيث تقف الرواية على أعتاب مجموعة من الأسئلة يضعها كويلهو على لسان أبطال الرواية مثل:
هل الخير متأصل في النفس البشرية، أم أن جميعنا أشراراً إذا توافرت الظروف المواتية لذلك؟
هل نحن طيبون فقط لأننا لم نواجه الاختبار بعد؟ وأنّ ما يمنعنا عن الشر هو الخوف من العقاب والخشية من نبذ المجتمع أم لأننا أخيار وأصحاب أخلاق وفضيلة؟
اسم المستقل | Enas T. |
عدد الإعجابات | 0 |
عدد المشاهدات | 120 |
تاريخ الإضافة |