التمويل والاستثمار.. نحو هيئة للتمويل

تفاصيل العمل

مقدمة

التمويل بالنسبة إلى أصحاب المشاريع هو أحد أكبر العوائق التي ربما تئد أفكارهم، فكل صاحب مشروع أو فكرة يحتاج إلى المال للإنفاق على فكرته أو تطويرها، وفي المقابل، وفي ذات الوقت يحتاج كل صاحب مال إلى استثمار موثوق وذي عائد مرتفع لزيادة رأس ماله، إلا أن في أغلب الظروف ربما يقع كلاهما بين فكي وحش مفترس لا يسعى سوى لاقتناص أكبر عدد من الفرص للحصول على المال، فينظر إلى المادة فقط ولا ينظر إلى المضمون، سواء إن كان بطرق مشروعة عبر المنظمات القانونية سواء الحكومية أو الخاصة، أو بطرق غير مشروعة بالاحتيال عبر أشخاص أو شركات أموال وغيرها، وإن لم يقع بين فكي تلك الوحش، فربما يخضع إلى شروط وحدود ربما كان سيحصل على مميزات أفضل منها إن توافرت بدائل أخرى، لذلك سأقوم بطرح فكرة من خلال مقالي لمعالجة السلبيات التمويلية المتوفرة، والتي تصلح على وجه الخصوص لتمويل المشروعات متناهية الصغر، والصغيرة، علمًا بأنني سأتناول سلبيات التمويل تفصيليًّا في موضوع آخر بمشيئة الله بوصفه إحدى عراقيل ريادة الأعمال.

البنوك

لعبت البنوك عدة أدوار مالية، واعتمدت الحكومات عليها كذراع اقتصادي تستطيع من خلاله التحكم في عدة معدلات من بينها التضخم والركود، والاستدانة عبر آلية أذون الخزانة، والذي بلغ على سبيل المثال لا الحصر رصيد البنك الأهلي المصري فيها نحو 162.7 مليار جنيه في نهاية يونيو (حزيران) 2016 [1]، بالإضافة إلى دور الوسيط المالي بين كلا الطرفين السابق ذكرهما في المقدمة، ومع ذلك زيادة القلق نحو تحقيق أكبر عائد على الأموال تفقد البنوك في أوقات كثيرة فرص إقراض مشروعات مربحة على مستوى الفرد والمجتمع؛ نظرًا إلى عدم تحقيق تلك المشروعات عائدًا كبيرًا مقارنةً مع معدل المخاطرة فيها، معتمدة على القروض الاستهلاكية في تحقيق عائد كبير وسريع وغير مرتبط بمدى ربحية مشروع، دون أن تتدارك احتمالية ارتفاع معدلات التعثر؛ نظرًا إلى زيادة القروض الاستهلاكية وعدم تناسبها مع قيمة الدخل للأفراد، حيث وصل حجم القروض المقدمة للقطاع العائلي 243.8 مليار جنيه في سبتمبر (أيلول) 2017، أي بنسبة 23% من إجمالي القروض المقدمة للقطاع غير الحكومي، وبنسبة 17.24% من إجمالي القروض المقدمة للعملاء من البنوك بخلاف البنك المركزي [2].

المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة

كل ما سبق يدفع البنوك للتخلي عن إقراض المشروعات الصغيرة بالدرجة الواجبة، نظرًا إلى أنها كما ذكرنا لم تُحقق الوجبة الدسمة التي تستطيع من خلالها البنوك الالتزام بفوائد محددة لعملائها بشكل سريع ودون مخاطرة كبيرة وتعثر، برغم من كون المشروعات متناهية الصغر، والصغيرة، والمتوسطة، يُقدر عددها ما بين 19 إلى 23 مليون مؤسسة، وتشمل أعمالًا بنسبة تتراوح ما بين 80% إلى 90% في المنطقة العربية، بل وتشكل 99% من القطاع الخاص غير الزراعي في مصر، لكن لا يحصل إلا 21% منها على قروض بحصة بلغت 8% من محفظة القروض المقدمة من المصارف العربية، لتبلغ الفجوة التمويلية لتلك المشروعات ما بين 210 إلى 240 مليار دولار![3]، في حين صرحت وزيرة الاستثمار سحر نصر، أن حجم المشروعات الصغيرة والمتوسطة يشكل 80% من الناتج القومي للدولة، وأكثر من 75% من الصادرات المصرية، ويشكل 40% من فرص العمل [4]،جميع تلك الأرقام إن كانت تدل على شيء، فهي تدل على أهمية قطاع المشروعات الصغيرة وضخامته على المستوى المحلي والعربي، وعلى مدى عجز البنوك عن تحقيق الإشباع التمويلي أو جزء منه لتلك المشروعات التي لا أعدّها سوى أمن قومي لا بد من توفير الحماية المناسبة لاستمرارها واستيعابها.

الموُدِعون

من جهة أخرى يقابل الموُدِعون عدة عوائق تصرف نظرهم عن وضع أموالهم في البنوك، سواء بمحاولة استثمارها خارج الاقتصاد الرسمي، أو الاستغناء عن الاستثمار والادخار برمته، وأهم تلك العوائق اثنان: أولهما هو المنظور الإسلامي نحو الفوائد الناتجة من ودائع البنوك واختلاط المعاملات فيها بالربا؛ مما نحى فئة كبيرة جدًا عن تلك التعاملات، ربما حاولت البنوك الإسلامية جذب تلك الفئة إلى المنظومة المصرفية من خلالها، وذلك ما يتضح على سبيل المثال في بنك مثل بنك فيصل الإسلامي في مصر، إذ بلغ حجم ودائع العملاء والشهادات والأوعية الادخارية في الربع الثالث من 2017 ما يعادل 69 مليار جنيه، وهو ما يمثل حوالي 2.27% من إجمالي الودائع لدى الجهاز المصرفي بخلاف البنك المركزي في نهاية سبتمبر 2017 [5][6]، في حين بلغ عدد حسابات العملاء لديه حوالي 1.859 مليون حساب، أي حوالي 24.4% من عدد عملاء البنك الأهلي المصري [7][8]، ناهيك عن حجم الأموال لدى البنوك وأفرع البنوك التي افتتحت فروع للمعاملات الإسلامية برغم من معاملاتها الربوية، وبرغم تنبيه رئيس الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح الدكتور علي بن أحمد السالوس من سنوات على اختلاط أموال بنك فيصل بالأموال الربوية [9]، إلا أنه ما زال هناك إقبال على تلك الأفرع والبنوك لحملها شعار النظام المالي الإسلامي، فما بالك إن حافظت البنوك الإسلامية من جهة وساعدتها الدول من جهة أخرى في الحفاظ على العمل بتلك الشعارات؟ ربما كان عدد وحجم الأموال لدى تلك البنوك تضاعف بصفة خاصة، وحجم الأموال في البنوك ككل بصفة عامة إن استطاعت ضم تلك الفئات إليها.

أما عن العائق الثاني فيتمثل في النسبة الربحية المعروضة من البنوك تجاه عملائها التي لا تجذب فئة كبيرة من الأناس؛ فيتوجهون بأموالهم إلى استثمارات حرة بعيدًا عن البنوك أو استثمارات ذات ربحية كبيرة كشراء العقارات والأراضي، مما يعني خروج تلك الأموال من منظومة التشغيل والتوليد النقدي! وأكبر دليل على أن عائد البنوك لا يغري بالدرجة المطلوبة العملاء، هي الشهادات ذات العائد المرتفع 16% و20%، والتي تم إصدرها للتأثير في معدل التضخم بعد تعويم الدولار وارتفاع سعره، لتصبح حصيلتها لدى البنك الأهلي المصري، وبنك مصر 481 مليار جنيه، خلال 14 شهرًا [10][11]، ما يمثل 15.14% من إجمالي الودائع لدى البنوك بخلاف البنك المركزي [5].

إنشاء هيئة تمويل

إذن وباختصار، هناك عجز أو تباطؤ واضح من البنوك تجاه تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولتلك المشروعات أهمية قومية للتأثير في معدلات البطالة والنمو والميزان التجاري والناتج المحلي… إلى آخره، وأيضًا هناك انجذاب أقل من قبل العملاء نحو البنوك، وربما سنشاهد ذلك بمجرد إيقاف الشهادات ذات العائد المرتفع 16% و20%، وعليه لا بد من إنشاء بديل كامل أو جزئي لتعويض ما عجزت البنوك عن تلبيته، لكن كيف وما معايير ذلك البديل؟

إذن لا بد من إنشاء هيئة تمويلية تُحاول الدولة من خلالها إصلاح ما تجاهلته البنوك.

ذلك البديل سأدعوه مبدئيًا بهيئة التمويل، وستحقق من خلالها عاملين: الأول تلبية طلبات الإقراض تحديدًا للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة لتعويض غياب البنوك، الثاني تحقيق أعلى عائد للعملاء دون المشاركة في أرباحهم مثل البنوك وبعيدًا عن الطرق الربوية.

آلية ومراحل التنفيذ

إصدار الجهات المسئولة قرارًا بإنشاء هيئة تمويلية تابعة لوزارة الاستثمار، يتولى مهامها مسئولو الإقراض في البنوك الحكومية والصناديق التمويلية؛ نظرًا لخبرتهم السابقة في المجال التمويلي.

إصدار الهيئة منصة إلكترونية شبيهة بمنصات التداول عبر الإنترنت.

تتلقى الهيئة بدورها طلبات المشروعات المتقدمة للحصول على التمويل المناسب، وبعد استيفاء كافة التفاصيل ودراستها وتعديلها لما يناسب الواقع، تُعرض المشروعات لعدد معين من الأيام عبر المنصة الإلكترونية، مرفقًا معها كافة النصائح والاستفسارات، ونسبة مئوية على احتمالية الربح إلى آخره، ومن ثم عرض أسهمها للشراء.

بمجرد إتمام القيمة المطلوبة للمشروع، تُغلق عملية الشراء، ويتم التنفيذ بلجنة من الهيئة والمتابعة الدورية في الموقع بعد التنفيذ، وفي مراحل العمل.

الشروط

1) جميع الآلات والمعدات والمباني المتعلقة بالمشروع يتم تسجيلها باسم الهيئة وبمعرفتها بعد إشرافها الفعلي على عمليات الشراء، وليس اسم المُقترض لضمان عدم المساس بحق العملاء.

2) يُشترط أن تكون جميع العمليات المالية في المشروع، والتي بين المُقترض والمستهلك (الشخص المقدَم إليه السلعة أو الخدمة) أن تتم تلك العلميات عبر الدفع الإلكتروني سواء عبر خدمات مثل فوري، أو إنشاء الهيئة حسابات خصيصًا للمقترضين، لضمان أيضًا عدم المساس بحق العملاء، ولمتابعة سير المشروع، وإيفاء الممولين بالبيانات الدورية.

3) وضع حد أقصى لعدد الأسهم التي يشتريها الشخص الواحد في المشروع الواحد، إلا في حالات عدم اكتمال التمويل الضروري للمشروع، وذلك لضمان توزيع المشروعات ذات الربحية المرتفعة بشكل عادل على أكبر عدد من العملاء الممولين، وعدم إلقاء المشروعات ذات الربحية القليلة على عاتق عدد من الممولين الآخرين.

4) تخصيص الهيئة لتمويل الأفكار والمشروعات، وليس التمويل الاستهلاكي.

5) طرح أسهم المشروع وفقًا للتكلفة الفعلية وليس على أساس العرض والطلب، وذلك منعًا لحدوث فقاعات مالية.

6) لا يعاد تثمين الأسهم إلا كل فترة مالية معينة، يكون قد تم خلالها تقييم المشروع ماليًا مرة أخرى، وتحقيق أرباح أو خسائر، وذلك لكي لا تحدث فقاعة مالية من خلال تضخيم قيمة المشروع دون وجود مقابل فعلي لتلك القيمة.

7) يسمح للمقترض الاشتراك في مشروعه برأس مال دون حد أقصى، وأيضًا يتاح له الحصول على تمويل كامل للمشروع دون حد أقصى.

8) إتاحة تبادل الأسهم بين الأفراد عن طريق التنازل عن ملكيتها دون عرضها بأسعار غير فعلية، وتحديد مواعيد لتوزيع الأرباح.

9) دراسة الهيئة بذاتها عدة مناطق ومشروعات يُراد إدراجها لأهداف تنموية ولوجستية، ومن ثم عرضها عبر المنصة لتولي شخصًا ما عملية الاقتراض والإدارة من خلال عدة اختبارات، ومن ثم عرضها عبر المنصة مرة أخرى للحصول على التمويل المُراد والبدء في تنفيذها.

10) يقسم كل مشروع لأكبر عدد من الأسهم لكي تصبح قيمة الأسهم في متناول أي مواطن لديه رقم قومي.

11) الهيئة عبارة عن وسيط لا يشارك في الأرباح، بل تُخصم تكاليفها من القيمة الضريبية المحصلة من تلك المشروعات.

المميزات

1- عدم التعثر، وعدم تحمل الهيئة مسئولية ربح المشروع أو خسارته، بل ستتحمل ضمان الحقوق المالية لكلا الطرفين أي أنها وسيط فقط لضمان الجدية والأمان ومثال على ذلك:

في حال حصول صاحب مشروع على تمويل بمقدار 48 ألف جنيه من البنك، وبمعدل فائدة متناقص 12% إذن لا بد من تحقيق صاحب المشروع عائدًا يستطيع من خلاله سداد قيمة القرض بالفائدة على مدة سنوية، ولنفترض خمس سنوات أي 60 شهرًا بفترة سماح ستة أشهر،أي يجب على صاحب المشروع سداد 480 جنيهًا فائدة شهرية خلال الستة أشهر الأولى، ومن ثم سداد 8730 جنيهًا وهي قيمة (ستة أشهر أقساط قيمة القسط ألف جنيه + الفائدة المتناقصة خلال الستة أشهر) أي سداد 11610 جنيهات خلال السنة الأولى (2880 جنيهًا فائدة في فترة السماح + 8730 جنيهًا قيمة الأقساط والفوائد الموضحة سابقًا)، ومعنى ذلك أنه في حال تحقيق المشروع نسبة ربح سنوية أقل من 24.19% وقتئذ سيتعثر المقترض عن السداد، بعكس مرونة التمويل عبر الهيئة.

2- زيادة العائد لكلا الطرفين:

فبدلًا من سداد المقترض الأقساط والفوائد، سيستطيع إعادة تدوير ربحه في المشروع؛ مما يزيد من الربح مقارنةً بالحالة الأولى، وعلى المنوال ذاته يستطيع صاحب المال إعادة استثمار ربحه والحصول على أرباح جديدة بنسب مختلفة بدلًا من حصوله على نسبة ثابتة أثناء إيداع أمواله في البنوك.

3- إدراج مشروعات منخفضة الربحية، أو غير قائمة:

إذ سيتم تمويل المشروع من الألف إلى الياء مهما بلغت تكلفته، فلا يُشترط في تلك الهيئة أن تكون الشركة قائمة بالفعل كمصادر التمويل الأخرى، وعليه تتاح الفرصة أمام المشروعات الصغيرة، والتي ترفض البنوك والهيئات التمويلية المختلفة تمويلها.

4- عدم تحمل جهة واحدة الخسارة أو انخفاض الربحية:

إذ إن اشتراك الفرد في عدة مشاريع معروضة عبر الهيئة سيتيح له تعويض خسارته من مشروع ما، أو ضَعف ربحه، من خلال ربحه من مشروع آخر.

5- زيادة حصيلة الضرائب:

فعلى سبيل المثال المقترض والذي يُنشئ مشروعًا ما يستطيع بعد سداد قروضه وفوائده،أن يتهرب من الضرائب سواء بإخفاء قيمة أرباحه الحقيقية، أو بتصفية المشروع ومن ثم الدخول في مشاريع أو استثمارات أخرى خفية بعيدة عن الاقتصاد الرسمي، أو حتى الاستثمار في منابر استثمارية أخرى، مما يتحقق معه انخفاض الحصيلة الضريبية، والاتجاه المُشبع نحو مشاريع استثمارية معينة فيختل التوازن الاستثماري، بعكس ما ستفعله الهيئة فلا يستطيع صاحب المشروع مهما بلغت أرباحه أو نسبة اشتراكه في المشروع أن يتخلى عن الآليات الموصى بها، والتي يتاح معها مراقبة الأرباح، ولا يستطيع أيضًا تصفية المشروع برمته إلا بقرار الهيئة والذي سيحافظ بدوره على المشروع القائم.

وما زال هناك الكثير من المزايا الفعلية، والتي أستطيع إيضاحها بمشيئة الله عبر جداول أرقام تقديرية لإثبات مدى فاعلية التمويل.

بطاقة العمل

اسم المستقل احمد ح.
عدد الإعجابات 0
عدد المشاهدات 24
تاريخ الإضافة
تاريخ الإنجاز