ريادة الأعمال بين الصعوبات والحلول ج(2)

تفاصيل العمل

بعض الحلول الابتكارية للترويج لريادة الأعمال

تحدثت في الجزء الأول عن الكثير من الصعوبات التي تواجه ريادة الأعمال وقمت بتقسيمها إلى ثلاثة محاور رئيسية، وهم التمويل، والبنية التحتية، والقوانين والإجراءات، وسأتحدث في تلك المرة عن بضعة حلول تتناسب مع ما تم تقديمه من صعوبات إلى حد ما ولنبدأ بالتكنولوجيا.

1- استخدام التكنولوجيا

مثلما يستطيع رائد الأعمال استخدام التكنولوجيا في إنشاء أو تطوير فكرته، تستطيع الدولة أيضًا فعل الأمر ذاته من خلال توفير ما يلائم رائد الأعمال من أدوات تكنولوجية تُقلل من الصعوبات التي تواجهه، وتساعده على إنجاز الكثير من المهام بدقة وسرعة وكفاءة.

أ) تسهيل إجراءات التأسيس

من الصعوبات التي تواجه رواد الأعمال دائمًا، إجراءات التأسيس والأوراق بدايةً من عدم معرفتهم بها وبمتطلباتها، نهايةً بكثرة الأماكن والسبل التي يحتاجونها للانتهاء منها والبدء في مشروعهم.

لذلك وبإنشاء الحكومات منصات إلكترونية، يستطيع رائد الأعمال من خلالها متابعة كافة إجراءات أوراقه المتعلقة بالمشروع والمتابعة مع خدمة عملاء جيدة عبر الإنترنت أو اتصال هاتفي، ويتولى المشرفون عليها إنهاء كافة الأوراق أو المشاكل المتعلقة برائد الأعمال في الهيئات المختلفة كالضرائب والسجلات والأحياء وغيرها، وتختزل كافة المسافات وكثرة التردد في مرة واحدة يُسلم رائد الأعمال أوراقه الرسمية ويحصل على التصاريح والتراخيص مُفعلة دون الذهاب إلى أماكن أخرى، مما يوفر له الكثير من الوقت والتكاليف والمجهود الذين يستطيع استثمارهم في فكرته من باب أولى.

ب) منصة محاكاة للمشروعات والأفكار

«التجربة والتهيئة والتدريب» هم عنوان المنصة، ففي عالم البورصة يوجد الكثير من المواقع التي تُقدم خدمة التداول غير الحقيقي لكن بعوامل حقيقية، من خلالها يُجرب الشخص المُضاربة ومع الوقت يستفيد الكثير من الخبرات قبل شروعه في التداول الحقيقي، على نفس الشاكلة ستعطي منصةُ المحاكاة الخبرةَ لرائد الأعمال، والتي تُساعده على بناء نموذج شبيه بما في مخيلته، فهي ستوفر له كافة البرامج التي سيحتاج إليها للتصميم، وكافة الأسعار الحقيقية للمعدات والآلات والمواد الخام ومميزاتها وعيوبها، وكيفية التواصل لاستيراد أي منها، والقوانين التي ربما تسمح أو تعوق فكرته، والأدوات المالية من ضرائب وأجور إلى خلافه.

فعلى سبيل المثال أراد أحد الأفراد إنشاء مشروع لاستيراد وبيع الأجهزة الإلكترونية وملحقاتها، من خلال تلك المواقع يبدأ الفرد في إنشاء نموذج محاكٍ لمشروعه، فيجد قائمة من الشركات العالمية والمحلية التي يمكن من خلالها توريد تلك الأجهزة والأسعار التقريبية وأسعار العملات والعقود والتراخيص ومدى المنافسة في المنطقة التي يُريد إقامة المشروع فيها ومن ثم يُفتح متجره للجمهور الذي يقرر أو يرفض الشراء ومن ثم يستطيع معرفة الاقتراحات والسلبيات والإيجابيات في مشروعه قبل البدء في تنفيذه على أرض الواقع مما يساهم في تفاديه بعض المشاكل والسلبيات قبل حدوثها، ومن الممكن استناد الجهات الممولة إلى تلك المواقع كأداة ضمانية لمن يتم تمويله.

ج) إصدار الحكومة لبطاقات شحن للدفع الإلكتروني

مما لا شك فيه أن من أهم العوامل التي تُعيق إنشاء مؤسسات خدمية عبر وسائل الإنترنت، بل وإتاحة المؤسسات والشركات المختلفة والمتواجدة حاليًا لخدماتها ومنتجاتها عبر الإنترنت هي طريقة الدفع، حيث يتشتت الفرد بين طرق الدفع التي يتوجب بعضها وجود بطاقات ائتمانية والتي تتطلب بدورها شروطًا شبه تعجيزية للحصول عليها أو مبالغة مقارنةً بحالة الطلب الذي يحتاجه الفرد للدفع، ناهيك عن معدلات الأمان ومشاكل الخصم والعمولات، وبين المواقع الخدمية التي تعمل كوسيط لعمليات الدفع مقابل رسوم مبالغ فيها وتحتاج أيضًا إلى سداد مستحقاتها بالطرق المرهقة عبر البريد أو من خلال البنوك! وبين خدمات الفون والتي تستحوذ على عمولات تصل إلى 2% عن كل عملية سحب تتم بالإضافة إلى وجود حدود قصوى للسحب اليومي والشهري والتحويل من عميل لآخر، وحد أقصى للمحفظة!

كل تلك الصعوبات يمكن تفاديها بإصدار الحكومة متمثلة في البنك المركزي، أو عبر شركات استثمارية مختلفة، لبطاقات شحن شبيهة لبطاقات شحن أرصدة شبكات الاتصال، إلا أن تلك البطاقات ستكون شبيهة للعملات الورقية على نحو استخدامها، حيث إنها ستصلح لاستخدامها بعد خدشها للدفع عبر الإنترنت أو تبادلها لدى المتاجر كالعملات الأخرى دون خدشها، ويتم ربط تلك الأكواد المطبوعة على البطاقات بالبنوك لإمكانية تسجيل الرقم فور استلامه من العميل إلى حساب المستلم بالبنك، هذا ومن الممكن تحميل تكلفة طباعة البطاقة على سعر شرائها وبالطبع لن تقارن تلك التكلفة بالتكاليف الأخرى التي يتحملها الفرد لعمليات الدفع!

د) أجهزة للاستغناء عن الدفع الورقي عامةً

قمت بتناول الفكرة بشكل أعم من خلال مقالي والذي كان يحمل عنوان «عملة رقمية بدلًا عن الورقية والربط بالسلع والخدمات» والذي تلخصت فكرته في الدفع الإلكتروني دون الحاجة إلى بطاقات ممغنطة أو استلام نقدية أو غيره من وسائل الدفع.

2- التمويل

يُعد من الأدوات الهامة جدًا بل الأساس لبناء رائد الأعمال فكرته، والذي شرحنا مساوئه في الجزء الأول من المقال، لذلك وبعيدًا عن الحلول التقليدية وغير الإيجابية، والتي ربما تليها عواقب أو تتعارض مع المكتسبات المالية للمؤسسات المُمَولة، سأقترح فكرتين وهما:

أ) التبني الحكومي لتوليد الأفكار

كما قيل من قبل الحاجة أم الاختراع وعليه يجب أن تقوم الحكومة بتبني العديد من المناطق وإجراء دراسات الجدوى عليها لمعرفة ما تحتاج إليه في جميع النواحي الخدمية والسلعية وغيرها، ومن ثم تقوم بعرض تلك الدراسات على العديد من رواد الأعمال، الذين سيطرحون بدورهم الأفكار الإبداعية لا التقليدية أو الرديئة لتحقيق تلك الغايات، ومن ثم يتم طرح مناقصات للهيئات التمويلية أو تخصيص جزء من الموازنة، لبناء تلك الأفكار والمشاريع للفكرة الأميز.

وتُساهم تلك الفكرة في عدة محاور شديدة الأهمية، من بينها الحد من البطالة، تنمية واستغلال الطاقة الإبداعية لدى الكثير، إيجاد حلول إبداعية للسلبيات التي تُقابل البيئات المختلفة، تحقيق خطوة ريادية للمجتمع بأكمله وتطويره من خلال الاهتمام بالمتطلبات المجتمعية ذاتها دون النظر إلى الربحية.

ب) هيئة لتنفيذ الأفكار الحديثة والإبداعية

أيضًا قمت من ذي قبل بالحديث بشكل مُفصل عن تلك الفكرة التمويلية، والتي تُعالج التقصير الواضح في تمويل المشاريع الصغيرة، أو الإبداعية والتي يلعب دور البطولة فيها رواد الأعمال، وتحدثت فيها بإيجاز عن إنشاء هيئة يتخذ فيها التمويل التوسع الأفقي بدلًا من الرأسي، والذي يتيح معه تقبل كافة الأفكار دون النظر لمستوى ربحيتها أو المدى الزمني، وفي الوقت ذاته سيُحقق غاية ربحية أعلى للمُودع ورائد الأعمال مقارنةً بالمشروع ذاته إن تم تمويله من البنوك، مما ينمي إنشاء الشركات ذات الأفكار الإبداعية والمستحدثة.

3- إعداد البيئة الصالحة لرواد الأعمال

البيئة الصالحة هي الاحتواء الذي باختفائه ربما يُفقد الأُمم روادها، فربما يجد رائد الأعمال حلولًا كثيرة ليَعبر بفكرته إلى النور، ولكن الكثير من المعضلات وتحديدًا القانونية، ستستنفد وقته إن لم تفقده الأمل! لذلك يجب أن يتم:

أ) إصدار قوانين تتيح لرائد الأعمال وأصحاب الأفكار المجدية والمشاريع المساهمة في خفض معدلات البطالة، وفي نمو الاقتصاد، والتي تتيح لهم الحصول على تخفيضات ضريبية وتسهيلات جمركية أثناء بيع أو تصدير منتجاتهم، واعتماد وتبني مؤسسات الدولة أفكارهم لتنال ثقة أكبر.

ب) توسيع نطاق اللامركزية للخدمات والمشاريع، بحيث يمكن لرواد الأعمال في مختلف المناطق إنشاء فكرته الخاصة في ظروف بيئية مناسبة وفي ظل وجود بنية تحتية ملائمة لأفكارهم، مما سيعود بالفوائد على مواطني المنطقة بالاستفادة من البنية التحتية والمشاريع المقامة، بالإضافة إلى سعي الحكومة لإنشاء وتجهيز البنية التحتية بعيدًا عن مركزيتها في العاصمة فقط، بل تقوم بإنشائها في مختلف القرى والمدن لمساعدة أبناء تلك المناطق على الإبداع في أماكن تواجدهم.

الخلاصة

من الممكن أن نوضح الخلاصة من خلال التعريف المتفق عليه بالمؤتمر الدولي الذي عُقد بالمملكة العربية السعودية عام 2009، والذي حدد رائد الأعمال في الشخصية التي تنشئ عملًا حرًا يتسم فيه الشخص بالإبداع والمخاطرة، وعليه لا ينبغي أبدًا أن يتجه الفرد نحو المخاطرة ونتطلب منه ضمانات بالنجاح الفوري وغير القابل للفشل بشكل كامل، دون حتى أن نساعده أو نهيئ له الظروف المحيطة التي تناسب تلك المخاطر، ولا ينبغي أن نُقيد ذلك الإبداع ونترك كل السبل المتقدمة والحلول المبتكرة من رواد الأعمال ونُضيق عليهم الخناق بمجموعة من القوانين والأنظمة القديمة التي لا تتناسب أبدًا مع حجم التطور بصفة عامة وحجم التطور الذهني بصفة خاصة لدى رائد الأعمال، بل يجب السعي دائمًا إلى مساعدة أولئك الرواد وترسيخ قاعدة واحدة في أذهاننا هي أنه لا ينهض بالأمم إلا إيمانها بالله ثم إيمانها بالإبداع الذي خلقه الله في عقول أولئك الرواد لينتشلوا الأمم من كوارثها وأزماتها بحلولهم الإبداعية، وأن عدم السعي لإيجاد أو تنفيذ الحلول الواجبة لمساعدتهم هو بالأدق عدم مساعدة لأنفسنا نحن وليس هم!

التوصيات

1- وضع فرص تمويلية جديدة تناسب الأفكار الحديثة والظروف المالية للأفراد ورواد الأعمال.

2– استخدام الإنترنت والتكنولوجيا بشكل عام كنوع من أنواع التبسيط للإجراءات التي يحتاج إليها الأفراد.

3– البحث الدءوب من الحكومة نحو الحاجات المختلفة في كل بيئة وعمل ورش لإيجاد حلول لها بسواعد الشباب، مما يولد أفكارًا إبداعية وفي الوقت ذاته يحقق تلك الحاجات.

4– تقديم الامتيازات الضريبية نحو المشروعات الجديدة والأفكار الإبداعية ونحو المؤسسات التي تساعد على ذلك.

5- توسيع وبناء وتطوير البنية التحتية بشكل جيد يتيح معه التوجه إلى مناطق مختلفة وإقامة المشاريع بسهولة، والمساعدة على بناء الفكرة بالشكل المطلوب والمتطور.

6- تعديل بنود القانون التي تعيق تحقيق الإبداع الفكري لرواد الأعمال، أو تصعب تحقيقها مما يجعلها أقرب للمستحيل.

7- إنشاء هيئة لتمويل الأفكار الحديثة والإبداعية حتى وإن لم تكن أفكارًا ذات ربحية مالية.

8– إعطاء مميزات مالية أو عينية للطلاب أو الموظفين في الجامعات والمؤسسات والذين يتميزون بالأفكار الإبداعية التي تُحدث طفرة أو تحل أزمة أو تطور مجتمعًا.

9– توسيع نطاق اللامركزية سواء للمشروعات القومية أو الخدمات.

بطاقة العمل

اسم المستقل احمد ح.
عدد الإعجابات 0
عدد المشاهدات 31
تاريخ الإضافة
تاريخ الإنجاز