يقوم منهج البحث العلمي علي مجموعة من الطرائق التي يحقق كل منها غاية محددة , و لكل منها ضرورتها الخاصة (عزت السيد 2017) , و من المعروف أن البحوث في العلوم الإنسانية و الإجتماعية قد تصنف تبعاَ لمؤشر البيانات المستخدمة ؛ إلي بحوث كمية و بحوث نوعية , حيث تلجأ البحوث الكمية إلي تقنيات العد و القياس و الأساليب الإحصائية , بينما تركز البحوث النوعية علي الفهم العميق من خلال التفاعل مع الموضوع و الظاهرة محل الدراسة , و هذا ما يدفعنا لطرح الإشكالية التالية : هل البحث الكمي أفضل من البحث النوعي في مجالات العلوم الإنسانية و الإجتماعية ؟ و كإجابة مسبقة علي هذه الإشكالية , صيغت الفرضية التالية : يرتهن تفضيل البحث الكمي أو البحث النوعي علي طبيعة البيانات المستخدمة و الهدف المنشود من دراستها , و في أغلب الأحوال فإن بيانات البحث الكمي وحدها غير كافية لفهم بعض الظواهر الإجتماعية او جوانب معينة منها , بل يجب إستخدام الأسلوب النوعي إلي جانب الأسلوب الكمي , و هو ما يعرف بإسم التثليث في البحث العلمي. و لبرهنة صحة أو خطأ هذه الفرضية ؛ تم الإعتماد علي النقاط التالية:
يختلف الهدف من الدراسة الكمية عن الهدف من الدراسة النوعية , حيث تهدف الأولي إلي تحقيق نتائج قابلة للتعميم علي مجتمع الدراسة أو المجتمعات الأخرى , بإستخدام بيانات رقمية و تحاليل إحصائية , و الحصول علي إجابات عددية أو كمية , بينما تهدف الثانية إلي تطوير فهم معمق لحالة او ظاهرة معينة في سياق معين بإستخدام بيانات نصية (بوجوده 2014).
تتنوع و تختلف معايير قياس الصدق و الثبات في البحث الكمي عنها في البحث النوعي (دليو 2014) ؛ حيث يمكن قياس الصدق في البحوث الكمية بثلاثة معايير : الصدق الداخلي , الصدق الخارجي , و صدق المحتوي , حيث يقتضي الصدق الداخلي إستقلالية الإجابات عن الظروف الخارجية و العرضية , و يشير الصدق الخارجي إلي درجة إمكانية تعميم النتائج علي مجتمع الدراسة أو مجتمعات أخري , بينما يقصد بصدق المحتوي تغطية آداة جمع البيانات لكافة المجالات المستهدف تغطيتها . في حين يعتمد الصدق في البحوث النوعية علي سعة البيانات و تعددية المصادر , وكذلك درجة إستقلالية الإجابات عن الظروف الخارجية و العرضية كما في البحث الكمي , بخلاف أن إستعمال الصدق في البحوث النوعية يكون معقداَ إلي حد ما نظراَ لأن إجراء البحوث النوعية يكون في بيئة طبيعية فريدة في الغالب يصعب تكرارها . و يعتمد الثبات في البحوث الكمية علي إمكانية إعادة الإختبار و تقاطع ملاحظات المحكمين و درجة الخطأ المعياري التي كلما إنخفضت كلما كان ثبات البحث الكمي أعلي , بينما في البحوث النوعية يصعب قياس الثبات بقابلية التكرار , حيث تتغير الظواهر الإجتماعية بشكل سريع نسبياَ , و هذا يقلل من فرصة تكرار التجربة في ظروف مماثلة تماماَ (عليان 2017) , فيتم الإعتماد علي شفافية عرض التعريفات المختلفة و أساليب جمع البيانات و تحليلها.
يجيب البحث الكمي علي مجموعة من الأسئلة بدقة , مثل الأسئلة التي تتطلب إجابات كمية أو عددية , و الأسئلة التي تهدف إلي قياس التغير العددي سواء بالزيادة أو النقصان , و الأسئلة التي تقيس أهمية تأثير متغير مستقل علي متغير تابع قياساَ عددياَ مما يسمح للباحث بتوقع درجة أحد المتغيرات أو العوامل من درجة واحد او أكثر من العوامل الأخري , و أخيراَ ؛ يمكننا البحث الكمي من إختبار الفرضيات المختلفة بتوجيه أسئلة عن درجة العلاقة بين متغيرين و يمكننا من خلال الإجابات علي تلك الأسئلة الخروج بالفرضية المطلوبة أو رفضها . و علي الجانب الآخر , هناك حالات يفشل فيها البحث الكمي و يكون البحث النوعي هو القادر علي الإفادة في تلك الحالات , حيث يكون البحث النوعي إختياراَ جيداَ عندما نريد إستكشاف المشكلة بعمق و الحصول علي تعرية تامة للظاهرة محل الدراسة , و في حين أنه يمكن إختبار الفرضيات بإستخدام البحث الكمي , فإنه لا يمكن تطوير تلك الفرضيات بإستخدامه , و لكن يمكن تطويرها بإستخدام البحث النوعي الإستكشافي , و عندما تكون تغيرات المشكلة أو الظاهرة معقدة و متعددة أو قد تظهر لها متغيرات جديدة بشكل مفاجئ ؛ تصبح الدراسة النوعية المتعمقة ( كدراسة الحالة ) هي البديل الأفضل , و ترتبط الأساليب الكمية بالسببية , حيث تنظر في السبب و النتيجة , و لكنها لا تستطيع النظر في معني الأحداث و عمقها , و في تلك الحالة تكون الطرق النوعية أكثر ملائمةَ (صوان 2017).
تعد بيانات الأسلوب الكمي غير كافية وحدها لفهم بعض الظواهر الإجتماعية أو جوانب معينة منها ؛ كالمواقف و الآراء الإجتماعية , فهي لا تعطي فهماَ متعمقاَ للمشكلة أو الظاهرة محل الدراسة , و إنطلاقاَ من هذا الإساس ؛ لا يمكن تفضيل البحث الكمي علي البحث النوعي في العلوم الإنسانية و الإجتماعية , بل يجب إستخدام التثليث في البحث العلمي , أي أكثر من منهجية خلال عملية البحث , فيجب إستخدام الأسلوب النوعي إلي جانب الأسلوب الكمي لأنه أشمل و أعمق في النظرة الشمولية ( ريما ماجد 2016) , الأمر الذي يساعد علي دقة التحليل , لذا يعتبر الجمع بين الأسلوبين الكمي و النوعي مفيداَ لتكامل الدراسة.
قائمة المراجع:
1)عزت السيد أحمد , كتابة البحث العلمي المفاهيم و القواعد والأصول , دمشق: دار الفكر الفلسفي , 2011 .
2)صوما بوجوده , مقارنة بين طرق البحث الكمي و النوعي , دراسة سابقة , 2014 .
3)فوضيل دليو , معايير الصدق و الثبات في البحوث الكمية و الكيفية , مجلة العلوم الإجتماعية , جامعة محمد سطيف , العدد 19 , ديسمبر 2014 .
4)ربحي مصطفي عليان , البحث العلمي , أسسه و مناهجه و أساليبه و إجراءاته , عمان: بيت الأفكار الدولية , 2016
5)فرج محمد صوان , البحث العلمي : المفاهيم و الأفكار و الطرائق و العمليات , وهران: ابن النديم للنشر و التوزيع , 2017 .
6)ريما ماجد , منهجية البحث العلمي , بيروت: مؤسسة فريديش إيبرت , 2016 .
اسم المستقل | Ahmed F. |
عدد الإعجابات | 0 |
عدد المشاهدات | 2115 |
تاريخ الإضافة | |
تاريخ الإنجاز |