ليست دائما الهجرة بذلك الوجه السوداوي!
لا طالما تغنى الأدب والكتاب بتجارب الهجرة والرحيل عن الوطن، بنوع من الشجن والحزن ناحية قطعة الأرض التي خلفوها ورائهم..
لكن باعتقادي، لم تكن دائما الهجرة نوعا من الفقد الإنساني، قد تكون فرصة جديدة، حياة أفضل، وهو ما أراه في شباب وطني نفسه، تواقون للرحيل، راغبون بالهجرة والهجران، أعيش في بلد لا تفصله عن القارة العجوز سوى أمتار، تلك الأمتار نفسها تحمل كافة أحلامهم وأمانيهم، النصف رحل عن البلد إما عبر قوارب الموت، أو رحلة سياحية دون عودة، والنصف الآخر ما تبقي هنا يمني النفس يوما بالرحيل..
هؤلاء أنفسهم حين يعيشون هنالك بضع سنون، يمتزجون مع الثقافة الغربية، يتماهون مع بلدهم الجديد، يسعون لإيجاد مكان مستقر وثابت هناك..
يعودون إلينا وهم يتحدثون عن لوعة الهجرة والحزن الذي يكابدهم بعد نهاية كل صيف، يشترون الأواني التقليدية، والملابس المحلية، يحشون الحقائب بطعام الأمهات، وتمتلأ الهواتف بصور الأحباء، ثم يرمون ما بقي من وحشهم للبلد، ثم يعودون باكيين..
حين ستسألهم هل لكم عودة أبدية مجددا إلى هنا؟
يستغربون، يتحججون، ثم يهربون..
كيف لهم العودة، وهم يوما ما رفعوا اياديهم لربهم داعين
رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ
هكذا هي النفس البشرية المتناقضة، الهجرة سيئة وظالمة إن كانت قسرا، لكن بعضهم يختارها طوعا، فهي قشة نجاة أحلامه..