تفاصيل العمل

الاحتباس الحراري

لم يكن الإنسان في القرون الماضية يدرك أن أفعاله اليومية ستترك أثرا عميقا على كوكب الأرض. كانت المصانع التي انطلقت مع الثورة الصناعية تبدو حينها رمزا للتقدم، وكانت السيارات والبواخر والطائرات دليلا على القوة والسيطرة على الطبيعة. لكن كل ذلك التقدم أطلق في الهواء كميات هائلة من الغازات التي لم تختف ببساطة، بل بقيت عالقة في الغلاف الجوي. ومن هنا بدأت ظاهرة علمية تغير وجه العالم كله، إنها ظاهرة الاحتباس الحراري.

الفكرة الأساسية بسيطة. الشمس تبعث أشعتها نحو الأرض، وجزء من هذه الحرارة يعود إلى الفضاء، غير أن الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان تمنع جزءا كبيرا من هذه الحرارة من الخروج، فتظل محصورة في الغلاف الجوي. هذه العملية تشبه الغطاء الزجاجي الذي يحفظ الحرارة داخل بيت زجاجي للزراعة. لكن الفرق أن البيت الزجاجي هنا هو كوكب الأرض بأكمله.

النتائج بدأت تظهر بوضوح. درجات الحرارة في ارتفاع متواصل، والأنهار الجليدية في القطبين تذوب بسرعة لم يعرفها التاريخ الحديث. البحار تتمدد مع هذا الذوبان فترتفع مستوياتها وتهدد مدنا ساحلية كاملة بالغرق. الغابات الاستوائية التي كانت رئة الكوكب تتراجع تحت ضغط الحرائق وقطع الأشجار، ومعها يختفي تنوع حيوي لا يقدر بثمن.

الإنسان نفسه هو أول المتأثرين. موجات الحر تضرب المدن فتجعل الحياة فيها خانقة. الزراعة تواجه صعوبات متزايدة بسبب الجفاف وتغير مواسم المطر. وحتى الصحة تتعرض للخطر مع انتشار أمراض جديدة مرتبطة بالمناخ.

ومع كل هذه التحذيرات، ما زال العالم يتقدم ببطء في مواجهة هذه الظاهرة. الاتفاقيات الدولية تتعثر بين المصالح الاقتصادية والواجب البيئي. بعض الدول ترى في خفض الانبعاثات تهديدا لنموها الصناعي، بينما دول أخرى تدرك أن الكوكب كله معرض للخطر.

الاحتباس الحراري ليس مجرد موضوع علمي أو سياسي، بل هو قضية وجودية. إنه مرآة تكشف لنا أن الإنسان، في سعيه للسيطرة على الطبيعة، قد غيّر قوانينها إلى درجة تهدد بقاءه نفسه. وفي النهاية، لا يملك البشر كوكبا آخر يهربون إليه، إنما يملكون أرضا واحدة، إما أن يحافظوا عليها أو يتركوها تختنق تحت الغطاء الذي صنعوه بأيديهم.

بطاقة العمل

اسم المستقل
عدد الإعجابات
0
عدد المشاهدات
4
تاريخ الإضافة
تاريخ الإنجاز
المهارات