مقدمة
يُعد مرض قصر البصر من أكثر أمراض العيون انتشارًا في العالم، ويُعرف طبيًا باسم القرنية المخروطية (Keratoconus)، وهو اضطراب تدريجي في شكل القرنية يؤدي إلى تقوسها وتشوهها، مما يسبب تشوهًا في الرؤية. مع تزايد الوعي الصحي وازدياد حالات التشخيص المبكر، أصبح من الضروري فهم طبيعة هذا المرض، أسبابه، أعراضه، طرق تشخيصه، وخيارات علاجه. يهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء على جميع جوانب مرض قصر البصر بشكل شامل ودقيق، معتمدًا على المصادر العلمية الموثوقة.
ما هو مرض قصر البصر (القرنية المخروطية)؟
قصر البصر، أو ما يُعرف طبيًا بـ القرنية المخروطية (Keratoconus)، هو مرض عيني تدريجي يحدث نتيجة ضعف في أنسجة القرنية (الغطاء الشفاف الأمامي للعين)، مما يؤدي إلى تقوسها بشكل مخروطي بدلًا من شكلها الكروي الطبيعي.
يؤثر هذا التغير في الشكل على قدرة العين على تركيز الضوء بدقة على الشبكية، مما يؤدي إلى:
رؤية مشوهة
تشوش الرؤية
حساسية للضوء
صعوبة في الرؤية الليلية
يبدأ المرض عادة في سن المراهقة أو أوائل العشرينيات، وقد يستمر في التدهور لعدة سنوات قبل أن يستقر.
أسباب مرض قصر البصر
لا يُعرف السبب الدقيق لمرض قصر البصر، لكن يُعتقد أن له عوامل متعددة، منها:
1. العوامل الوراثية
نحو 10% من المصابين لديهم تاريخ عائلي للمرض.
قد يرتبط بمتلازمات وراثية مثل متلازمة داون، متلازمة إدوارز، ومرض فبروماتوس الكلاين-فيلتر.
2. فرك العين بشكل مفرط
يُعد من العوامل المحفزة الرئيسية، حيث يؤدي فرك العين باستمرار إلى تلف ألياف الكولاجين في القرنية.
3. العوامل البيئية والمناعية
الربو، الحساسية المزمنة، والأمراض التحسسية قد تزيد من احتمالية الإصابة.
بعض الدراسات تربط بين المرض وزيادة إنزيمات تحلل الأنسجة (Proteases) في العين.
4. العوامل الجزيئية
نقص في مادة الكولاجين أو ضعف في الروابط بين أليافه في القرنية.
قلة مضادات الأكسدة التي تحمي القرنية من التلف.
أعراض مرض قصر البصر
تظهر الأعراض تدريجيًا، وقد تختلف من شخص لآخر، ومن أبرزها:
تشوش الرؤية
حتى مع النظارات الطبية، لا تتحسن الرؤية بشكل كافٍ
الرؤية المزدوجة أو الثلاثية
في عين واحدة (Monocular diplopia)
الحساسية للضوء
خاصة في الليل أو تحت الأضواء الساطعة
الهالات حول الأضواء
عند النظر إلى المصابيح ليلاً
الحاجة المتكررة لتغيير نظارات العين
بسبب تغير شكل القرنية
صعوبة في الرؤية الليلية
تجعل القيادة ليلاً صعبة
مراحل مرض قصر البصر
يُصنف المرض إلى 4 مراحل بناءً على شدة التشوه:
المرحلة الأولى (الخفيفة)
تغير طفيف في شكل القرنية، يمكن تصحيحه بالنظارات
المرحلة الثانية (المتوسطة)
تشوه واضح، يحتاج إلى عدسات لاصقة صلبة (Rigid Gas Permeable)
المرحلة الثالثة (الشديدة)
تشوه كبير، ضعف شديد في الرؤية، قد يحتاج إلى تدخل جراحي
المرحلة الرابعة (النادرة – التمزق)
تمزق في الطبقة الخلفية للقرنية (Hydrops)، يتطلب علاجًا عاجلًا
طرق التشخيص
يتم تشخيص مرض قصر البصر من خلال الفحوصات التالية:
1. فحص قياس النظر (Refraction)
لتحديد درجة قصر النظر والانحراف البصري.
2. قياس منحنيات القرنية (Keratometry)
لقياس انحناءات القرنية الأمامية.
3. تخطيط القرنية (Corneal Topography)
أهم فحص لتشخيص المرض، حيث يُظهر خريطة ثلاثية الأبعاد لسطح القرنية.
4. الفحص بالمجهر العيني (Slit Lamp Examination)
للبحث عن علامات تشوه القرنية مثل الندبات أو التشققات.
خيارات العلاج
لا يوجد علاج شافٍ تمامًا للقرنية المخروطية، لكن هناك عدة خيارات لإبطاء تقدم المرض وتحسين الرؤية:
1. النظارات الطبية
تُستخدم في المراحل المبكرة فقط.
2. العدسات اللاصقة الصلبة (RGP – Rigid Gas Permeable)
تُعيد تشكيل سطح القرنية وتُحسن الرؤية.
تحتاج إلى فترة تعود.
3. حلقات القرنية (Intrastromal Corneal Rings – مثل Intacs)
زرع حلقات صغيرة داخل القرنية لتسطيحها.
إجراء غير جراحي نسبيًا.
4. تثبيت القرنية بالليزر (Corneal Cross-Linking – CXL)
أشهر علاج حديث، يستخدم أشعة UV مع فيتامين B2 (ريبوفلافين) لتعزيز روابط الكولاجين.
يُوقف تقدم المرض في 90% من الحالات.
5. زراعة القرنية (Corneal Transplant)
في المراحل المتقدمة جدًا.
نوعان: زراعة جزئية (DALK) أو كاملة (PKP).
فترة التعافي طويلة (قد تصل إلى سنة).
الوقاية والنصائح
تجنّب فرك العين، خاصة عند المصابين بالحساسية.
العلاج الجيد للحساسية العينية باستخدام القطرات الطبية.
الكشف الدوري عند طبيب العيون، خاصة في سن المراهقة.
ارتداء النظارات الشمسية لحماية العين من الأشعة فوق البنفسجية.
إحصائيات حول المرض
يصيب حوالي 1 من كل 2000 شخص حول العالم.
يبدأ غالبًا بين سن 10 إلى 25 سنة.
أكثر شيوعًا في بعض المناطق مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
الذكور والإناث متساوون في الإصابة تقريبًا.
الخلاصة
مرض قصر البصر (القرنية المخروطية) هو اضطراب تدريجي في شكل القرنية يؤدي إلى تدهور في جودة الرؤية. وعلى الرغم من عدم وجود علاج شافٍ، فإن التشخيص المبكر والتدخل الفوري (مثل تثبيت القرنية بالليزر) يمكن أن يُبطئ أو حتى يوقف تقدم المرض. من خلال الفحوصات الدقيقة والتقنيات الحديثة، أصبح من الممكن إدارة هذا المرض بكفاءة، مما يحسن جودة حياة المرضى بشكل كبير.