ظلّ المقعد الفارغ
في ركنٍ قصيٍّ من المقهى، كان يجلس وحده، كل يوم في الموعد ذاته، يحتسي قهوته ببطءٍ، وكأنه يحاول إذابة الغياب في رشفة.
كان المقعد المقابل له فارغًا دائمًا، لكنّه لا يرفع عينيه عنه، كأنّه ينتظر أن يملّه الزمن فيملأه له. لم يتحدث كثيرًا، كان الصمت رفيقه الأوفى. يردّ على التحيّات بهزّة خفيفة من الرأس، لا تزيد، ولا تقل.
ذات مساء، جلس شاب على المقعد الفارغ. ابتسم الرجل للمرة الأولى منذ شهور. قال الشاب:
– هل تسمح لي؟
أجاب الرجل، بصوت هادئ لكنه مشبع بحنينٍ لا يُطاق:
– لا بأس... المقعد لا يزال ينتظر.
مرّت لحظة صمت ثقيلة، ثم استطرد الرجل:
– كنت أجلس هنا معها... كل يوم.
نظر الشاب إليه بإصغاء.
– لم تعد تأتي. لكن المقعد بقيَ على العهد.
ابتسم الشاب وقال:
– ربما جاء دوري لأنتظر أحدًا.
تنهد الرجل، ونظر إلى فنجانه الفارغ، ثم قال:
– المقعد لا ينتظر الأشخاص... بل الذكريات.