تفاصيل العمل

الفصل الأول: على حافة اللاشيء

كان الليل خانقًا... لا هو بظلمةٍ صافية ولا بنورٍ مطمئن، بل شيء هجين، يشبهه.

جلس على حافة سريره المعدني في المدينة الجامعية- بجسد مرهق وعقل لا يكفّ عن الدوران.

كل ما فيه يئن، بصمت - يحدّق في اللاشيء.

كان الزمن يمرّ ببطء غريب، كأن اللحظة تأبى أن تمضي، كأنها تدرك أنها الأخيرة قبل أن يُطوى فصلٌ من فصول حياته.

اليوم الأخير في الامتحانات. آخر عبورٍ في رواقٍ ظنّه بدايةً، فاكتشف لاحقًا أنه كان بئرًا لا قاع له.

رمى نظرةً إلى سقف الغرفة، وتنهّد.

كم مرةً حاول أن يُقنع نفسه أن الغد أفضل؟

كم مرة أعاد رسم حياته على ورق أبيض، ثم مزّقه في نوبة إحباط؟

كم مرة حاول أن يكون شخصًا آخر، قبل أن يعود مضطرًا إلى جلده؟

حاول أن يستحضر شيئًا من الطفولة: لحظة دفء، ضحكة، وجهًا مطمئنًا... لكن لا شيء.

كأن ذاكرته قد أفرغت نفسها عمدًا، أو لعلّه هو من أفرغها عن وعيٍ منه.

طفولة قاسية؟ نعم. مشاكل دراسية؟ بالتأكيد.

فقر، عزلة، خجل، تطلّعات عائلة، ضغطٌ مستمر، وأمور لم يفهمها أو تجاهلها حين كان صغيرًا، لكنه كرهها منذ اللحظة الأولى.

قال لنفسه، بصوتٍ خافت لا يسمعه أحد:

"التظاهر بالنسيان... أنبل من الغرق في التذكّر."

فما الفائدة من الحفر في ماضٍ انقضى؟

حاول أن يشغل ذهنه بما أنجزه: سنوات من الدراسة، تفوّق، شهادات، درجات…

لكن، للمفارقة، لم يشعر بشيء.

لا فخر، لا نشوة.

فقط صمتٌ داخليّ جاف، كأن الإنجاز تمّ بفعل شخصٍ آخر… أو لرضا شخصٍ آخر.

"لماذا؟" سأل نفسه،

"لماذا أشعر بهذا الاختناق؟

لماذا هذا الحزن الثقيل الذي لا أعرف له سببًا واضحًا؟

أهو أم لأنني تخلّيت عن الشطرنج دون سببٍ واضح؟

على كل حال، لا أظنّ أنني كنت لأصبح شيئًا يُذكر … مجرد لاعبٍ آخر لا يتجاوز الدور الأول في المسابقات المحليه.

أم لأنني فقدت تلك الفتاة التي لم ترَ فيّ صديقًا قط؟ تُرى، لماذا كنا أصدقاء أصلًا؟ ماذا رأت فيّ؟ هي لم تكن صديقتي أصلًا... كانت تسمعني من باب الشفقة، أو الفراغ، أو ربما التسلية..."

لكن الألم لم يكن وهمًا.

مرارة الفقد لا تكذب.

"لماذا أنا دائمًا الطرف الزائد؟" سؤال خرج من أعماقه، كأن أحدًا غيره طرحه.

ثم صمت.

صوت خافت في الخلفية، لم يعرف مصدره. كأن أحدًا يهمس له من خلف ستار:

"أنت المشكلة."

فزّ من مكانه، وأخذ ينظر حوله. لا أحد. فقط السكون.

لكن الصوت بقي يتردّد، لا في الأذن، بل في الداخل.

"أنت العقبة، أنت من خذل نفسه قبل أن يخذله الآخرون."

أراد أن ينتفض، أن يخلع الصمت عن صوته، أن يصرخ: " بأي ذنب وُسمت؟ وأي خطيئة جعلتني ملامًا عن كل شيء؟ لماذا وحدي أحمل أوزار الجميع!"

بطاقة العمل

اسم المستقل
عدد الإعجابات
0
عدد المشاهدات
5
تاريخ الإضافة