أنفٌ يكاد يعانق عنان السماء، إعجابٌ مفرطٌ بالذات، حضورٌ وجاذبية طاغيان، أظنها كما تبادرت إلى ذهنك. «النرجسية» مصطلحٌ يبدو حديث العهد بألسنة الناس، لكن المحللون النفسيون استخدموه منذ قرنٍ كاملٍ تزامنًا مع تشخيص أول حالة نرجسية.
لكننا لدينا رأي آخر، هل أنتم جاهزون لزيارة بركة مياه نمت عليها زهرة نرجس؟ تحتها ترقد جثة أول نرجسي ذُكر في الميثولوجيا الإغريقية.
ناركسوس، الذي أُغرم بصورته على صفحة المياه الشفافة، وعكفَّ على تأملها حتى سقط غريقًا في حب نفسه!
لكن كي نكون صادقين، تلك صورةّ نمطيةٌ للنرجسيين، إنهم متخفْوون وقد يصعب كشفهم، بالضبط كزهرة النرجس صاحبة البلورات السامة، يبدون في كامل ثقتهم بنفسهم مع أول انطباعٍ، إلى أن تقترب منهم، وتتجرَّع سمهم.
إنهم يجسِّدون حبهم لأنفسهم عبر كل من حولهم، يبدأ الأمر بقنبلة حب يلقونها إليك، لتبادلهم غذاءهم المفضل، مشاعر الإعجاب والتقدير التي تزيد من تعاظمهم، ومن هنا تفترق الطرق.
فإما تدرك حقيقته، وتبادر في تجنبه، وهذا سيضعك في صدام حادٍ معه؛ لأنَّه لا يتقبل النقد بأي أشكاله. وإما أن تقع في غرامه، وتصبح واحدًا من ضحاياه الذين سيقطع علاقته بهم بعد أربعة أشهر؛ لأنَّ علاقاته كلها عابرة ومقتصرة على رؤيته لنفسه من خلال الناس، وإن لم تعد تلك الصورة تروقه، سيقوم بتغيير تلك المرآة.
النرجسي ليس ذاك الشخص المتغطرس من دون فائدةٍ، بل ستجده ناجحًا، ذكيًّا واستنائيًّا، ولديه المقومات التي تبرر له تعاليه وتقديره الزائد لنفسه، ويزيد من ذلك التربية التي تزيد من تمجيد الطفل، فيسعى للحفاظ على نجاحاته تلك عن طريق إيهامك أنك صديقه المحبب إلى أن يصل إلى مراده منك، وبعدها لن يجد فائدةً من علاقتكم.
لكنه لن ينهي علاقتكم، بل سيمارس حيله النفسية عليك، يتجاهلك، يقلل من شأنك؛ لأنه متأكد أنك متعلقٌ به وبوجوده، ومن ثمَّ يتلذَّذ بتشكيك في قيمة نفسك حتى تخرج من تلك العلاقة بجرحٍ غائرٍ صعب الالتئام، هذا إن أدركت أصلًا أنه المخطئ، لأنَّه محترف في إلقاء الخطأ على الجميع وعيش دور الضحية.
نصيحتنا الأولى والأخيرة هي: اهرب!
لأن معظم النرجسيين لا يعترفون بنرجسيتهم، بل يجدون تصرفاتهم المؤذية حقًّا مكتسبًّا لتقدير أنفسهم؛ لذلك يصعب علاجهم، وعلاج ضحاياهم أيضًا.
لن نكون نرجسيين وننهي حديثنا معكم بالتهكُّم، بل سنصنع منكم نرجسيين صغار، ونخبركم أنكم بوصلكم للنهاية: أنتم أفضل متابعين.️