كنت أبحث عن الأمان في وجوه الناس، في كلماتهم التي تخرج من شفاههم، في نظراتهم التي تحمل بين ثناياها معانٍ متعددة، في الوعود التي تقال بأمل وإصرار، في الأكتاف التي تعانقك كأنها تحميك من كل شر، في الحضن الذي يبعث الدفء والطمأنينة، وفي رسائل تحمل كلمات "أنا معك دائماً" بكل صدقها. لكن، مع كل مرة كنت أكتشف فيها أن الأمان حين يُمنح من بشر، فإنه يبقى معلقا بخيط رفيع من مزاجهم، تقلبهم، وغيابهم الذي لا يحتمل.أصدقائي أعلموا أن لا أحد يمكنه أن يمنحك أمانا مطلقا لأنهم ببساطة لا يملكون حتى الأمان لأنفسهم هم يتغيرون يحبون اليوم ويتعبون غدايقولون "أعدك" وهم لا يعرفون ما سيحدث لهم بعد ساعة، يتعهدون بالبقاء لكن تأخذهم الحياة، أو قلوبهم، أو ضعفهم إلى طريق آخر.الأمان الحقيقي لا يكون في حضن أحد ولا في رسالة، ولا في تكرار اسمك على لسان من تحب، مهما كانت تلك الكلمات عذبة ومطمئنة. الأمان هو أن تكون أنت ساكنا في داخلك مرتاحا مع نفسك، متصالحا مع ضعفك، وقويا بما يكفي لتنهض كل مرة وحدك، رغم كل الجراح والصعاب.
الأمان الحقيقي هو في الله، في من لا يغيب ولا يتغير، من لا يخون ولا يخذل، ولا ينسى أبدًا. هو في ذلك السند الذي لا يتزعزع، الذي يحملك عندما تضعف، ويمنحك السلام عندما تشتد العواصف حولك.الأمان هو أن تنام وضميرك مرتاح، حتى لو كان العالم كله ضدك، أن تمشي في دربك وحدك ولا تخاف من الطريق، لأنك تعرف من هو سندك، من هو من لا يخذلك أبداً .حين تعرف هذا، تصبح قويا، لا تهتز أمام تقلبات الأيام، ولا تعود تنتظر من أحد أن يمنحك ما تستطيع أن تمنحه لنفسك. لأنك تعلم أن الأمان الذي يمنحه البشر هش، قابل للكسر، ومعتمد على ظروف وأمزجة زائلة.فلا تبن آمالك على بشر، بل اجعل أمانك ينبع من داخلك، من ثقتك بنفسك، من سلامك الداخلي، ومن إيمانك بالله الذي هو الحق، الذي لا يتغير ولا يخذل.عش في سلام مع ذاتك، احتضن ضعفك كما تحتضن قوتك، وكن لنفسك السند الحقيقي، الأمان الدائم، والحب الذي لا ينضب.وفي هذا السلام الداخلي، ستجد أن كل شيء من حولك يصبح أقل رهبة، وأكثر قابلية للتحمل.توقف عن البحث في الخارج، وابدأ بالبحث في أعماقك، حيث يكون الأمان الحقيقي وعندما تكون مرتاحا مع نفسك، لن تكون مضطرا لأن تلهث خلف وعود كاذبة، أو نظرات زائفة.إن هذا السلام الداخلي هو أجمل هدية يمكن أن تعطيها لنفسك، وهو حصن لا يمكن لأحد أن يهدمه.الأمان الحقيقي هو أن تعرف أنك كافٍ بذاتك وأن لا أحد يستطيع أن يقلل من قيمتك أو ينزع منك هدوءك.كونك ساكنا في داخلك يعني أنك لا تحتاج إلى من يطمئنك، بل أنت من يطمئن قلبه.فلتكن حياتك رحلة نحو هذا الأمان الذي لا يهتز، الذي لا يقاس بالآخرين، بل بقياس قوة روحك وسلامها لا تدع تقلبات الحياة أو خذلان الناس تحطمك، بل انهض مع كل سقوط، وابتسم رغم الألم هذا هو الأمان الحقيقي: أن تكون أنت نفسك، بكل ضعفك وقوتك، بكل جراحك وأحلامك.وفي النهاية تذكر أن الأمان الحقيقي لا يأتي إلا من الله، ومن السلام الذي يغمر قلبك حين تثق به حقا.
فامنح نفسك هذه الهبة، وابدأ بها، لأنها بداية كل شيء جميل ومستقر.كن أنت الأمان، وكن أنت الحصن، وكن أنت السند الذي لا ينهار.