فرصة ثانية ( أحد القصص القصيرة للمجموعة القصصية ( انتقام غريزة)
عاد من سهرته كالمعتاد في الساعات الأولي من الصباح وهو بالكاد يستطيع الوقوف علي قدميه . وعندما دخل إلي منزله شاهد من خلف نظرته المشوشة والده وأخيه وهم يجلسون في منتصف صالة المدخل وكانا ينظران إليه نظرات عتاب ممتزجة بالشفقة و كونه أعتاد علي مثل تلك النظرات فلم تترك أي أثر في نفسه . ألقي إليهما تحية مقتضبة وحتي لم ينتظر ليسمع رد تحيته بل هرول مسرعا إلي حجرته وأغلق بابها خلفه وألقي بنفسه علي الفراش بكامل ملابسه فمازالت أحداث هذه الليلة الصاخبة تملئ نفسه بالنشوة, فقد بدأ السهرة بتناول بعض كؤوس من الخمر حتي شعر بالخدر وأحس بأنه في عالم أخر . ثم قضي باقي السهرة بين أحضان أحد أجمل الغانيات والتي حسده عليها أصدقائه . وسمع من خلف الأبواب صوت والده وأخيه وهم يتحدثون ولكنه لم يهتم لسماع حديثهم فهو يعرف جيدا بأنهم يتحدثون عنه . فالطالما حاولا نصحه بالأبتعاد عن طريق الشهوات المحرمة التي يسير فيه ولكن من أين لهما أن يعرفا لذة النشوة التي يعيش فيها الأن.
أستيقظ صباحا علي صوت فتح نافذة حجرته ففتح عينيه ببطء ونظر إلي النافذة فوجد والدته تقف أمامها و قالت حينما رأته يفتح عينيه:
- المغرب أدن من شوية.
ثم أقتربت من فراشه وأكملت بصوت منخفض قليلا:
- أبوك حاول يصحيكي عشان تنزل تصلي الجمعة معاه.
جلس في فراشه وهو يسند ظهره للخلف و قال وهو يتمطي بكسل ويضع يديه علي رأسه من الألم
- محستش بحاجة خالص ؟ مفيش عندك حاجة للصداع!؟
نظرت إليها والدته بعطف وعتاب وقالت
- ما هو من اللي أنت بتعمله!!! المهم دلوقتي ألبس هدومك بسرعة عشان أبوك عايزك في حاجة مهمة.
زفر بضيق وقال بصوت منخفض حتي لا تسمعه والدته:
- مش طالبة عكنننة علي الصبح كده
خرج من غرفته وعندما شاهد والده جالسا في غرفة المعيشة توجه إليه وقال بمرح مصطنع
صباح الفل علي أبو الحجاج كلهم -
نظر إليه والده بغضب وقال بسخرية وتعجب
- صباح أيه يا أبني !؟ أحنا داخلين علي العشا!!
ظهر الضيق علي وجه ولكنه تجاهل كلماته و عندما هم بالجلوس بجواره أكمل والده قائلا:
- علي العموم أحنا معندناش وقت. انا عايزك في مشوار شغل مهم.
ظهرت الدهشة في ملامحه فهو يعلم جيدا بأن والده لم يعتمد عليه في شئ من قبل وبخاصة في أمور العمل ولكنه أجاب بترحاب مصطنع:
أنت تؤمر يا أبو الحجاج -
واقبلت والدته وفي يدها قرص أبيض صغير وكوب من العصير ووضعتهما أمامه وقالت:
- ده قرص الصداع اللي أنت طلبته
فتناوله منها دون ان ينظر إليه ووضعه في فمه وأرتشف نصف كوب العصير فقال له والده
- يالا بقي عشان منتأخرش علي معدنا
وعندما وصلا إلي السيارة لم يتركه والده يقودها كالعادة بل جلس هو في مقعد القيادة مما أثار دهشته ولكنه تحرك وجلس في المقعد المجاور دون أن يعترض وسار والده بالسيارة عدة دقائق ثم وقف في أحد الشوارع الفرعية الواسعة نسبيا ونظر في الجهة الأخري من الشارع وأخرج من جيبه مظروف صغير وأعطاه له وقال:
. - شايف الراجل اللي واقف في كشك السجائر اللي في الناحية التانية من الشارع, روح اديله الظرف ده
ظهرت الدهشة في ملامحه ونظر من النافذة الخاصة بوالده وقال بقليل من السخرية هو يتناول منه المظروف :
- هو ده مشوار الشغل اللي كنت عاوزني فيه!!؟
قال والده وهو يستحثه:
- متستعجلش , روح بس وأما ترجع هقولك علي كل حاجة.
و شعر بدوار خفيف وهو ينزل من السيارة ولكنه تحامل علي نفسه وذهب وأعطي المظروف للرجل بالكشك وزاد الدوار حتي أنه كاد أن يسقط فأستند علي مقدمة الكشك ولذلك قرر العودة سريعا إلي سيارة والده وعندما وصل إلي منتصف الطريق سمع صرخة عالية تصدر عن والده وشاهد سيارة تقترب منه و سمع صوت أحتكاك أطاراتها بالأرض . وسقط في عرض الطريق وأخر ما سمعه صوت أحدهم يقول:
- لا حول ولا قوة إلا بالله , حد يطلب لنا الأسعاف بسرعة.
ثم سقط في غيبوبة عميقة.
وعندما أستيقظ من غيبوبته وجد نفسه ملقي علي ظهره ففتح عينيه ولم يجد حوله إلا الظلام الدامس حتي أنه وضع يديه علي عينيه ليتأكد من أنهما مفتوحتين . وعندما رفع يده إلي رأسه وجد كمية كبيرة من الأتربة فوقها . ووجد جسده عاريا تماما إلا من بعض الأثمال الملتفة حوله ووجد الأتربة حوله في كل مكان. وحاول تحريك جسمه ويده فوجد الأثمال ملتفة حولهما بقوة فلم يستطيع التحرك.
وأسقط في يده وأيقن أنه قد مات وهو الأن في قبره وسيأتي وقت الحساب.
ولم تمضي إلا دقائق قليلة حتي أنشق الجدار الجانبي للقبر و شاهد عبر الضوء الخافت الذي أنبعث من الشق دخول كائن حالك السواد ينبعث ضوء خافت من أعلي رأسه و عندما وقف الكائن الأسود أمامه أنبعث صوت جهوري تردد صداه داخل القبر يقول:
- السلام علي الأموات, لقد حان وقت الحساب . هل أنتم مستعدون!؟.
أرتجف جسده من الهلع فهو لم يفكر في هذا اليوم من قبل وأزدحمت الأفكار في رأسه ولكن لسانه لم يطاوعه علي أخراج تلك الأفكار فظل صامتا
فأنبعث الصوت الجهوري مرة أخري يقول:
- أنا مش مستني منك أجابة .أنا أعرف عنك أكثر من اللي تعرفه عن نفسك.
زاد هلعه وأرتباكه وحاول أن يبعد نظره عن هذا الكائن الأسود.
فنظر عن يساره فوجد جلد ثعبان ضخم بدأ في الأنتفاخ حتي صار ثعبانا عظيما وبدأ في التحرك ببطء في أتجاهه.
ثم أخرج الكائن من جانبه سيخا حديدا ملتهبا وقال بصوت جهوري :
- السيخ الملتهب ده هنحطه علي كل جزء من جسمك كنت بتغضب بيه ربنا. وسنبدأ بالفم
وبعد كده هنسيبك للثعبان عشان يكمل مهمته معاك. وهتفضل تتعذب كده إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولم يدري ماذا يمكنه أن يفعل أو ماذا يقول وكان كل ما فكر فيه هو رغبته الشديدة في العودة للدنيا
لتغيير أعماله السيئة بأعمال أخري صالحة , لكن الرعب والهلع جعلا صوته ينحبس داخل فمه فلم يستطيع النطق.
و عاد الصوت الجهوري للأنبعاث مرة أخري وقال:
أعرف أنك تقول الأن : ( رب أرجعوني لعلي أعمل صالحا ) -
وعندها أنفكت عقدة لسانه و نطق بلهفة شديدة و بدون أن يشعر وقال:
!!!? - هو ممكن أرجع فعلا .
قال الصوت الجهوري:
- للأسف فات أوان العودة.
وأقترب الكائن من الجسد المسجي و في يده السيخ الملتهب وعندما هم بوضع السيخ في فمه صدرت من جسده صرخة قوية تردد صداها في المكان.
غمر الضوء المكان فجأة فوضع يده علي عينيه ظنا أنه نوع أخر من العذاب, وعندما أعتادت عينيه قليلا علي الضوء رفع يده من فوق عينيه.
فشاهد هدا الكائن الأسود وهو يخلع القناع الأسود ذو الأضاءة الذي كان يرتديه فوق رأسه فرأي خلفه وجه أخيه .
ودخل والده و والدته و التي ألقت نفسها بجواره تحتضنه وهي تقول
- سامحني يا أبني , مكنش قدمنا غير كده عشان ينصلح حالك..
بينما كان اخوه يخرج الأجهزة الصوتية من داخل الغرفة ويقوم والده بأفراغ الهواء من جسد الثعبان البلاستيك الضخم و نظر حوله فوجد نفسه في غرفة تغيير الملابس الصغيرة الضيقة الخاصة بوالده والذي قال له و هو يبتسم:
- أطنك عرفت دلوقتي أن الفرق بين الحياة والموت شعرة صغيرة جدا. يعني قرص المنوم اللي أدتهولك أمك خلاك تحس أنك مت ومش هترجع للحياة تاني, ولكنك رجعت أهو مرة تانية, وأظن أنك الكائن الوحيد اللي في الدنيا اللي حصل علي فرصة تانية.
اسم المستقل | اسلام م. |
عدد الإعجابات | 0 |
عدد المشاهدات | 14 |
تاريخ الإضافة |