في زمن بعيد، حيث كانت الشمس تشرق كل يوم على ضفاف نهر النيل، وتنعكس أشعتها الذهبية على المزارع الخضراء والحقول الخصبة، كانت مصر القديمة تزدهر بثقافتها وعظمتها. في قرية صغيرة بجوار النهر، كان يعيش شاب يدعى "حاتور"، وكان يحلم أن يصبح أحد البنائين الذين يساهمون في بناء الأهرامات العظيمة.
كان حاتور يعمل في الحقول مع والده، لكنه كان دائمًا ينظر إلى الأفق حيث تلوح الأهرامات البعيدة، ويرى العمال يصعدون وينزلون على منحدراتها الضخمة، وينقلون الأحجار الثقيلة ليبنوا تلك المعجزات. كان يتساءل كيف يمكن لهؤلاء الرجال أن يبنوا شيئًا بهذه العظمة، دون أن يكون لديهم آلات حديثة مثل اليوم.
في أحد الأيام، قرر حاتور أن يسأل أحد البنائين الذين كانوا يمرون بالقرية في طريقهم إلى موقع البناء. اقترب من رجل مسن كان يحمل أدواته، وسأله بفضول: "يا عمي، كيف تستطيعون بناء الأهرامات بهذه الأحجار الضخمة؟ هل هناك سحر يساعدكم؟"
ضحك الرجل العجوز وربت على كتف حاتور قائلاً: "لا يا بني، ليس هناك سحر. نحن نستخدم قوة العلم والعقل والإبداع. الأهرامات لم تُبنَ بيوم وليلة، لكنها نتاج سنوات من العمل الشاق، ومعرفة دقيقة بالهندسة والرياضيات."
ازدادت دهشة حاتور، وسأل: "لكن لماذا نبنيها بهذه الطريقة، ولماذا كل هذا الجهد؟"
تنهد الرجل العجوز، وأشار بيده نحو الأفق حيث تلوح قمم الأهرامات: "نحن نبنيها لتكون بيوتاً أبدية للفراعنة، ملكنا يحكمنا في هذه الحياة، ونحن نريد له أن يحكم في الحياة الآخرة أيضًا. لذلك، نبني هذه الأهرامات لتكون مقابر تحفظ جثمانه، وتجعل روحه تعيش بسلام في العالم الآخر."
أخذ حاتور نفسًا عميقًا، ثم قال: "أريد أن أتعلم كيف أساهم في هذا العمل، أريد أن أكون جزءًا من هذا البناء العظيم."
ابتسم الرجل العجوز وقال: "إذا كنت تملك العزيمة والشجاعة، فستكون واحدًا منا قريبًا. ستتعلم كيف نصطف الأحجار، وكيف نصنع المنحدرات، وكيف نجعل كل شيء في مكانه بدقة متناهية. ولكن الأهم من كل ذلك، أن تفهم أن ما نقوم به ليس مجرد بناء أحجار، بل هو بناء تاريخ وإرث خالد سيظل يتحدث عنا لمئات السنين."
ومنذ ذلك اليوم، بدأ حاتور يتدرب بجد واجتهاد. كان يتعلم من البنائين، ويراقب كيفية نقل الأحجار باستخدام العربات الخشبية، وكيفية ترتيبها بعناية لتشكيل الجدران المائلة. ومع مرور الوقت، أصبح جزءًا من الفريق، وكان يشعر بالفخر في كل مرة ينظر فيها إلى الهرم ويرى كيف أنه يقترب شيئًا فشيئًا من الاكتمال.
وبعد سنوات من العمل، وقف حاتور أمام الهرم المكتمل، وتذكر كيف كان يحلم بهذا اليوم. لقد أدرك حينها أن الحضارة العظيمة لم تكن مجرد أحجار مصفوفة بعناية، بل كانت قصصًا من الإصرار والعمل الجماعي، قصصًا عن أناس مثل حاتور، الذين لم يروا بناء الأهرامات مجرد عمل، بل رؤية وحلم أصبح حقيقة.
وهكذا، ظلت الأهرامات شامخة عبر العصور، تروي حكايات العظماء، وتحكي عن حضارة مصر القديمة التي أبدعت في كل شيء، وجعلت العالم يشهد على عظمتها وأسرارها التي لم تكتشف كلها حتى اليوم.
اسم المستقل | أسماء ا. |
عدد الإعجابات | 0 |
عدد المشاهدات | 7 |
تاريخ الإضافة |