دوافع الانتقال العادل للسياسات الغذائية والزراعية في مصر

تفاصيل العمل

تتمتع مصر بقطاع زراعي حيوي، لقد كان نمو الزراعة وإنتاج الغذاء سريعًا على مدى العقود الثلاث الماضية، بشكل إجمالي، نما إنتاج اللحوم بمعدل سنوي قدره ٣,٨ في المئة من عام ١٩٩٠ إلى عام ٢٠٢٠، والحبوب بنسبة ١,٩ في المئة.

لقد ثبتت قدرة القطاع الزراعي على الصمود في مواجهة الصدمات خلال أزمة الكورونا العالمية الأخيرة؛ حيث ظهر أداء الزراعة أفضل نسبيًا من قطاعي الخدمات والصناعة.

إضافةً إلى ذلك، يتقبل المزارعون في مصر التقنيات الحديثة بما يخدم أهدافهم، بما في ذلك تقنيات البذور والري المتقدمة، وفي الوقت نفسه، تعمل ندرة الأراضي والمياه على تقييد النمو الزراعي بشكل متزايد، مع تباطؤ أو حتى نمو سلبي في إنتاجية السلع الأساسية على مدى السنوات العشر الماضية.

ونظرًا لأن تغير المناخ يمثل تهديدًا متزايدًا ودائمًا، فمن المهم أن تفكر مصر في استراتيجيات التكيف الرئيسية للانتقال العادل في قطاع الزراعة، ولإثراء هذه الاستراتيجيات، يجب محاكاة سلسلة من سيناريوهات التكيف للحفاظ على الإنتاجية الزراعية ودعم الأمن الغذائي للبلاد، وأن تغطي هذه التقنيات والمناهج جميع السلع الزراعية وألا تقتصر على المحاصيل الاستراتيجية، وأن ترحب مصر وتدعم استراتيجيات التكيف المتبعة في البلدان الأخرى، لأن هذا يفيد خطط التنمية المصرية في نهاية المطاف.

لقد كان التركيز على تطوير تكنولوجيات الإنتاج الحديثة منحازاً تاريخياً نحو الحبوب والمواد الغذائية الأساسية من أجل معالجة نقص السعرات الحرارية واحتياجات الطاقة الأساسية لضمان البقاء، وبما أن تهديد تغير المناخ يؤثر على جميع المحاصيل الغذائية، فإن التوجهات الأخيرة للبحث والتطوير الزراعي أصبحت أوسع بكثير وتشمل المحاصيل الثانوية وغير الأساسية.

ولدراسة آثار التغيرات المناخية على الزراعة، ننظر إلى تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC، التي بدورها تقدم تقارير دورية لفهم الحالة العلمية والفنية والاجتماعية والاقتصادية لتغير المناخ وأسبابه وتأثيراته المتوقعة، وأساليب التصدي لهذا التغير، لبناء سياسات جديدة تحد من ارتفاع درجة حرارة الكوكب وتقلل من الانبعاثات الضارة، وتثقف المجتمعات المحلية والدول وتؤهلهم على التأقلم وتفادي تدمير البيئة، ويتضح في التقرير الأخير للمنظمة غير الحكومية الذي صدر عام 2022، أن أثر تغيرات المناخ التي تم رصدها في القطاع الزراعي أظهرت تدهور خصوبة التربة، وإصابة النباتات بالأمراض، وانتكاسات في الإنتاجية وصعوبة ظروف العمل نتيجة الارتفاع الكبير في درجات الحرارة وتبعات ذلك.

كذلك قال التقرير، أن ارتفاع تركيزات ثاني أكسيد الكربون وتغير المناخ يحدان من فاعلية المبيدات الزراعية، ما يؤدي إلى زيادة الكمية المستخدمة.

ولكن المسؤولية الأكبر لا تقع بشكل مجرد على الزراعة، إنما تقع على أنماط الزراعة عالية الاستخدام للطاقة والأسمدة والمبيدات،

بصورة أكثر دقة تقع المسؤولية الأكبر على المزارع الضخمة والشركات المنتجة للحوم والألبان، وتشير دراسة أجريت عام 2018 حول انبعاثات كبرى شركات اللحوم والألبان، أن أكبر خمس مزارع منتجة للحوم والألبان تنطلق منها غازات احتباس حراري أكثر من شركات النفط العملاقة مثل Shell وExxon، وأن الانبعاثات المتصدرة من أكبر عشرين شركة للحوم والألبان في العالم، تزيد عن تلك التي تطلقها دول كبرى بحجم ألمانيا أو فرنسا.

فتغير المناخ يمثل تهديدًا حيويًا ليس فقط للزراعة لكن على الاقتصاد كليًّا، مع تغير درجات الحرارة، و معدلات هطول الأمطار، سيشهد المناخ الصحراوي في مصر درجات حرارة أعلى وأمطار أقل، مما يؤدي إلى ارتفاع معدل التبخر، كل تلك العوامل تهدد بخفض الإنتاج، من المتوقع أن تنخفض غلات المحاصيل الغذائية في مصر بنسبة ١٠ في المئة في المتوسط بين عامي ٢٠٢٠ و٢٠٥٠، مما يعكس الإجهاد الحراري، والإجهاد المائي، وزيادة الملوحة، مع توقع أكبر التأثيرات على محصول الذرة (١٦,٢ في المئة)، ومحاصيل السكر (١٢ في المئة)، والفواكه والخضروات (١١,٧ في المئة).

تذكر تقارير مركز البحوث الزراعية، التابع لوزارة الزراعة المصرية، أن ارتفاع درجات الحرارة له تأثير على بعض الزراعات حَسَبَ اختلاف أعمار النبات، وهو ما حدث في فصل الربيع هذا عام ٢٠٢٢، مع الفارق الشاسع بين درجات الحرارة ليلا ونهارًا خلال اليوم الواحد، حيث سجلت درجات الحرارة في بعض أيام شهر يونيو 13 درجة مئوية ليلًا و٣٧ درجة نهارًا.

أضر الصقيع بزراعات البطاطس فأدى إلى حرق أوراق النبات وجذوعه، فلم تجد ثمرة البطاطس داخل الأرض ما يمدها بالغذاء، ما خفض بشكل كبيرالإنتاجية، كما ارتفاع درجات الحرارة البالغ له نفس التأثير الضار على نبات البطاطس، انخفض متوسط إنتاجية الفدان من ١٣ طنًا إلى ٨ أطنان، ومع انخفاض الأسعار لتتراوح بين ألفان إلى ثلاثة آلاف جنيه للطن، لم يغط حاصل البيع تكاليف الزراعة من تقاوي وأسمدة ومبيدات.

تندمج مصر بدرجات وطرق مختلفة في النظام الغذائي العالمي المعاصر، الذي تسيطر عليه الشركات متعددة الجنسيات، والساعية نحو تحقيق الأرباح، والزراعة من أجل التجارة الدولية والتصدير.

تهيمن على ذلك النظام العالمي، أفكار الزراعة الصناعية على المناهج التي تُدرس بكليات الزراعة بدعم من الدولة والشركات العالمية المهيمنة على مستلزمات الإنتاج الزراعي، فمثلا في مصر تمول شركات مبيدات وشركات أسمدة وتقاوي، المؤتمرات العلمية بكليات الزراعة. ثم أن مناهج كليات الزراعة في مصر تقدم للمهندسين الزراعيين المستقبليين برامج تفيد بأن الهندسة الوراثية أو الثورة البيوتكنولوجية هي الحل لأزمة الغذاء في العالم، بالرغْم تبادل دوائر النقاش العالمي حول فشل هذه الوعود منذ إطلاقها تزامنًا مع الثورة الخضراء منذ عام ١٩٧١.

تواجه الزراعة المصرية تحديات كبرى من المرجح أن تزيد آثار التغيرات المناخية في مصر؛ خاصة أن النظام الزراعي في مصر تغلب عليه الحيازات الصغيرة، الأقل من خمسة أفدنة، التي تمثل ما نسبته ٩١,٨% من الحائزين و٤٧% من المساحة.

وعندما نأخذ في الاعتبار التغيرات الناجمة عن تغير المناخ في التأثير على العرض والطلب في مجال الأغذية، فإن انخفاض المحصول يمكن أن يزداد سوءًا بالنسبة للزيادات في أسعار المواد الغذائية، ومن المتوقع أن يؤدي الانخفاض العالمي في إنتاج الغذاء بدوره إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى ٢٢,٨ في المئة للذرة وبنسبة ١٨,٧ في المئة للأرز، مما سيؤثر بشكل كبير على الأمن الغذائي للشرائح الفقيرة من سكان مصر.

في وقت يجعل هذا النموذج للحيازات الصغيرة الزراعة المصرية أقل في معدلات استهلاك الطاقة، إلا أنها في المقابل كثيفة الاستخدام للمبيدات والأسمدة والمياه، وقدرتها أضعف في التكيف مع التغيرات المناخية، أو المساهمة في خفض الانبعاثات،

الانتقال العادل للزراعة في الحيازات الصغيرة قد يحولها لمصدر امتصاص وتخزين الكربون، ويعيد حفظ الموارد ويحسن من صحة وجودة حياة عدد كبير من المصريين، لكن ذلك يتطلب جهدًا في تعديل ودعم تكنولوجيا الزراعة والتعليم الزراعي.

بطاقة العمل

اسم المستقل Ahmed E.
عدد الإعجابات 0
عدد المشاهدات 9
تاريخ الإضافة