د.مصطفى محمود واحد من أهم المفكرين والكتّاب العرب، وقد كان نابغةً كتب في الأدب والسياسة والعلوم والفلسفة والدين. ومن لم يعرفه من خلال كتبه عرفه من خلال برنامجه التلفزيوني (العلم والإيمان) الذي امتد لأكثر من 400 حلقة ناقش فيها مواضيع علمية نظر إليها من زاوية عظمة الخالق عز وجل وحكمته في الخلق. أعتقد أن معظم الأجيال التي وُلِدَت قبل عصر الإنترنت قد شاهدت البرنامج وتأثرت فيه أو سمعت عنه، إذ أعادت بثه معظم القنوات العربية منذ السبعينيات حتى نهاية عرضه في عام 1999.
أنشأ مصطفى محمود مسجدًا ومراكز طبية لعلاج محدودي الدخل كما ساهم في أعمال خيرية ودعوية عديدة.
مصطفى محمود واحد من أهم الكتاب الذين تصدوا لمحاربة الإلحاد في العالم العربي، من أهم أعماله كتاب (حوار مع صديقي الملحد) الذي قرأته صغيرًا وأعدتُ قراءته عدة مرات، والذي يتصدى فيه لفكرة الإلحاد عبر مجموعة من النقاشات المنطقية:
يُعتبر هذا من أهم كتب الرد على الإلحاد التي ظهرت في العصر الحديث بفضل لغته السهلة وحججه المنطقية. عندما كنت في العشرينيات من عمري كنت أعتمد الأفكار الواردة في هذا الكتاب للرد على الملحدين، حينها لم تكن السوشال ميديا موجودة وكان مكانها ما يُعرف بمنتديات الإنترنت. المهم أني حينها حاولت قراءة كتب أخرى تتصدى لنفس الموضوع لزيادة حصيلتي الفكرية وزيادة قوّتي في الرد على الإلحاد (أذكر منها كتاب البوطي: كبرى اليقينيات الكونية)، لكنها كانت كتبًا صعبة ومتقدمة بالنسبة لي آنذاك. كتاب مصطفى محمود كان سهلًا وسلسًا ووصل إلى الجميع. لا أقول إنه ساهم في دخول الملحدين إلى الإسلام، لكني أجزم أنه ساهم في رد الكثير من الشباب المسلمين المتشككين عن الإلحاد.
لماذا أقول كل هذا الكلام
مصطفى محمود كان مُرتدًا قبل هدايته! لم يرتد لثلاثة أيام ولا لثلاثة أشهر ولا ثلاثة أعوام، بل لفترة ثلاثين عامًا! وقد حكى قصته في كتاب (رحلتي من الشك إلى الإيمان) الذي قرأته أيضًا ويقول في مقدمته:
قد رفضت عبادة الله لأني استغرقت في عبادة نفسي وأعجبت بومضة النور التي بدأت تومض في فكري مع انفتاح الوعي وبداية الصحوة من مهد الطفولة. كانت هذه الحالة النفسية وراء المشهد الجدلي الذي يتكرر كل يوم.. وغابت عني أيضاً أصول المنطق وأنا أعالج المنطق ولم أدرك أني أتناقض مع نفسي إذ أعترف بالخالق ثم أقول ومن خلق الخالق فأجعل منه مخلوقاً في الوقت الذي أسميه فيه خالقاً وهي السفسطة بعينها.
ويُضيف نقطة هامّة جدًا تتعلق بموضوع هذا السؤال:
احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة مع الغرق في الكتب وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل والحوار مع النفس وإعادة النظر ثم إعادة النظر في إعادة النظر.. ثم تقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطريق الشائكة من الله والإنسان إلى لغز الحياة إلى لغز الموت إلى ما أكتب اليوم من كلمات على درب اليقين.لم يكن الأمر سهلاً.. لأني لم أشأ أن آخذ الأمر مأخذاً سهلاً.
.........
تخيّل لو كان مصطفى محمود يعيش في دولة تطبّق حد الردة … بحيث يُستتاب لثلاثة أيام ثم يُقتَل! تخيّل لو قتلوه قبل أن يهتدي. مجهوده الخرافي الذي بذله في الدعوة إلى الله من خلال العلم والمنطق لما كان موجودًا الآن. كتبه التي قرأها الملايين وساعدتهم في تقوية إيمانهم لما كانت موجودة أصلًا.
إن أقوى من يستطيعون الرد على الإلحاد هم الملحدون السابقون، لأنهم كانوا هناك وعادوا
عندما تمنح مرتدًا ثلاثة أيام للتفكير فأنت تخلق مُنافقًا وليس مسلمًا عائدًا! هل يعتقد من وضعوا هذا الحكم (الذي لا وجود له في القرآن) أن ثلاثة أيام كافية للاقتناع؟
أعطه وقته .. أعطه وقتًا للتأمل والحوار مع النفس وإعادة النظر ثم إعادة النظر في إعادة النظر. دعه يُفكّر عامًا واثنين وعشرة وعشرين وثلاثين. وإن لم يعد فعقابه على الله:
وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ