تفاصيل العمل

تتناول هذه الورقة تفريقاً بين مفهومين يلتبس على بعض الدارسين والباحثين أمر فهمهما، وهما (البنيوية والبنائية) باعتبارهما نموذجين مرتبطين بعملية التعلم والفهم والبناء المعرفي .

وبما أن عملية التعلم مرتبطة باستجابات المتعلم وتفاعله مع جزئيات الموقف التعليمي؛ فقد أدى ذلك إلى تباين في وجهات النظر بين المختصين؛ فمنهم من رأى أنه عملية التعلم والفهم والبناء المعرفي تعبّر عن حالة تنتقل في هيئة معانٍ نفسية وأفكارٍ تجد صداها لدى المتعلم؛ وبالتالي ركزوا على ثنائية اللفظ والمعنى، على نحو ما جاء في نظرية" النَّظم" التي أقامها الإمام عبد القاهر الجرجاني وحدد لها مستويين: مستوى فكري نفسي، ومستوى لفظي صوتي، والأول هو الذي يستدعي الثاني ، ويؤلفه، وقد أعلى الإمام الجرجانيُّ من شأن المعاني، وجعلها الأساس في اختيار الألفاظ وتركيبها ورأى أن الألفاظَ خادمةٌ للمعاني، وأنَّ العلمَ بمواقع المعاني في النفس، هو علمٌ بمواقع الألفاظ في النطق .

ثم جاء من بعده تشومسكي، وسار على نفس النسق وأشار إلى بنيتين: بنية سطحية ظاهرة "الألفاظ " ، وبنية منطقية عميقة تتشكل في الذهن (أي المعاني المرتبة) وأن عملية الإخراج الصوتي هي عملية تحويل لهذه البنية العميقة فيما يُعرَفُ "بالنظرية البنيوية"

وفي بداية القرن العشرين قامت البنيوية لدى السويسري " فردينان دي سويسر " على ثنائية الرمز ومدلوله، وأشار إلى وجود علاقة عضوية بين الرمز اللغوي ومعناه، وبين وجهة النظر الذاتية للشخص الذي حدثت لديه عملية التعلم والفهم والإضافة إلى رصيده المعرفي.

وهنا نشير إلى أن الاتجاه البنيوي ركز على ثنائية اللفظ والمعنى؛ واهتم اهتماماً كبيراً بكثرة التطبيقات على النصوص، ودراسة الألفاظ، والجمل والأمثلة والشواهد؛ من أجل استخلاص قاعدة عامة يسهل القياس عليها وهو ما يعرف "بالطريقة القياسية" التي تقوم على الانتقال من المعلوم إلى المجهول، ومن القاعدة العامة إلى الحالات الجزئية .

ولما كانت الجزئيات لا تنطوي كلُّها تحت قاعدة عامة واحدة ؛ فقد أدى ذلك إلى الحذف، والتقدير، والتأويل ، واختلاف الآراء في المسألة الواحدة.

ولكون عملية التعلم والفهم والبناء المعرفي؛ تحتاج إلى ضبط للعوامل والظروف والأسباب التي تجعلنا نتنبأ بحدوث عملية التعلم وفقاً للقياسات القبلية وفي أثناء عملية التعلم وبعد حدوث عملية التعلم؛ ظهر اتجاه آخر يرى أن عملية التعلم والفهم والإضافة المعرفية أكثر ارتباطاً بالنظرية البنائية .

والبنائيون لا يتصورون أن عملية التعلم ممكن أن تتم من خلال بثّ المعارف إلى المتلقين؛ لأنهم يؤكدون أن التعلم الحقيقي يقتضي أن يرتبط ارتباطاً مباشراً بالبنية الذهنية الخاصة بالمتعلم.

وهذا الاتجاه مفعم بأفكار بياجيه، وبمنظوره السيكولوجي في اكتساب المعرفة، ويقوم على حتميتين للنظرية البنائية:

الحتمية الأولى مرتبطة بافتراضات بياجيه عن العمليات المنطقية، ويطلق عليها الحتمية المنطقية، والثانية مرتبطة بقدرة الفرد على التفاعل مع بيئته المحيطة، وتحقيق البناء المتوازن بين الأنشطة العقلية للمتعلم، ودور المعلم في محاولة تعديل الخطأ وإحلال المفهوم الصحيح؛ كبديل للمفهوم الخاطئ، وهي ما يطلق عليها " الحتمية البنائية"

وعليه؛ نستطيع أن نحدد جوهر الفرق بين النظريتين: (البنائية ، والبنيوية) في نظرتهما إلى عملية التعلم والفهم والإضافة المعرفية، في أن البنيوية ركزت في نظرتها على بُنية النص موضع التعلم، في حين أن البنائية ركزت على بنية ذهن الإنسان المستهدف بعملية التعلم.

ومهما كان نوع الاختلاف؛ فإننا نستنتج أن التعلم والفهم والإضافة المعرفية؛ تقتضي تفاعلاً، يُنْتِجُ حركةً مستمرة؛ عندما يتم التناسب والتوازن والمواءمة بين عناصر الموقف التعليمي: المتعلم، والمعلم، والمادة المتعلمة، وبيئة التعلم.

وهذا الاستنتاج يقود إلى استنتاج آخر أهم يشير أهمية دراسة العلاقات والارتباطات بين الأسباب والعوامل والظروف التي تجعل من عملية التعلم والفهم والإضافة المعرفية حتميةً من الحتميات المنطقية، ونتيجة علمية تابعة لها، مرهونة الحدوث بتوفرها في موقف مخطط له، يتم ضبطه بعناية.

أي أنه : متى ما تمكنا من تحديد الأسباب والعوامل والظروف المسهمة في حدوث عملية التعلم والفهم والإضافة المعرفية، وقياسها، وضبطها ، والسيطرة عليها؛ وبالتالي التحكم فيها؛ فإننا سنجعل من عملية التعلم والبناء المعرفي نتيجة منطقية معلومة الأسباب والمقدمات، فنحصل على تعلم أفضل، وفهم أفضل، وإضافة معرفية مخطط لحدوثها بمنتهى التحديد والدقة.

وعلى هذا الاعتبار؛ فمن الضرورة بمكان أن تعرف على مفهوم العلم ومفهوم النتيجة العلمية.. ومتى نحكم على النتيجة بأنها نتيجة علمية أم نتيجة غير علمية ..

وهذا ما سيكون موضوعنا في المقال القادم إن شاء الله تعالى.

بطاقة العمل

اسم المستقل
عدد الإعجابات
0
عدد المشاهدات
4534
تاريخ الإضافة