ماهية اعتراض الغير وأنواعه وتمييزه عن طرق الطعن الأخرى
لدراسة ماهية اعتراض الغير وبيان أوجه الاختلاف بينه وبين الطرق القانونية الأخرى للطعن بالأحكام أهمية خاصة , فالمشرع الفلسطيني أفرد فصلاً خاصاً من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية في الباب الثاني عشر الخاص بالطعن بالأحكام لهذا النوع من الطعون .
ولتعريف هذا النوع من الطعون لابد من الإشارة إلى مفهوم الطعن في الأحكام القضائية عموماً حيث أن الأثر المباشر الأحكام القضائية هو حسم النزاع وإنهاؤه بطريقة تمنع عرضه على القضاء مرة أخرى .
ويستخلص الفقهاء كقاعدة عامة مفادها أن إبطال الأحكام لأي خطأ وقع بها سواء من حيث الشكل أو الموضوع لا يكون إلا بإحدى الطرق المحددة قانوناً على سبيل الحصر ولا يجوز بالتالي طلب إبطال الحكم عن طريق دعوى أصلية خلافاً للعقود والتصرفات القانونية ولا بد من سلوك طرق الطعن المرسومة قانوناً وفق الشروط والمدد القانونية فإذا انقضت المدة واستنفذت أساليب الطعن فلا حاجة للطعن بالحكم ويصبح قطعياً مهما كان سبب البطلان وذلك المبدأ يطبق على الأحكام القضائية وتخرج العقود القضائية عن تطبيقه .
ولذلك سنقوم بتجزئة هذا المبحث إلى مطلبين نبحث في المطلب الأول عن ماهية اعتراض الغير وأنواعه وفي المطلب الثاني تمييز اعتراض الغير عن طرق الطعن الأخرى.
المطلب الأول
ماهية اعتراض الغير وأنواعه
لتسهيل الدراسة ومعرفة ماهية هذا الطريق لابد من تعريفه وبيان طبيعته القانونية لذلك سنقوم بدراستها من خلال الفرعيين التاليين والذي يتضمن الفرع الأول تعريف اعتراض الغير وطبيعته ويتضمن الفرع الثاني بيان أنواع اعتراض الغير .
الفرع الأول : تعريف اعتراض الغير وطبيعته
نص قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني في الفصل الرابع منه في المواد (244-249) على هذه الطريقة من طرق الطعن وبإستقراء النصوص المذكورة لا نجد تعريفاً محدداً لهذا الطريق من طرق الطعن والسبب في ذلك انطلاق المشرع من المبدأ القاضي بأن التعريف من اختصاص الفقه لا التشريع .
وبالرجوع الى تعريف اعتراض الغير في الفقه نجد أن بعض الفقهاء عرفه بأنه " غير عادي للطعن في الاحكام سمح به القانون لشخص لم يكن خصماً أو ممثلاً أو متدخلاً في الدعوى " وعرفه آخر بأنه " طريق غير عادي للطعن فتحه القانون لكل شخص لم يكن طرفاً ولا ممثلاً في الخصومة يستطيع بمقتضاه دفع أثر الحكم الصادر فيها لمساسه بحقوقه ومصالحه " ومن خصائص الطعن أنه : طريق غير عادي للطعن يشترط للطعن فيه ان لا يكون الطاعن خصماً ولا ممثلاً ولا متدخلاً في الدعوى التي صدر بها الحكم.
- يهدف هذا الطعن لدفع اثر الحكم الطعين الماس بحقوق ومصالح الطاعن .
- إلا وان كان طعناً في الحكم إلا انه يقدم الى ذات المحكمة التي اصدرت الحكم الطعين.
-لا يكون هذا الطعن إلا فيما يتعلق بالأحكام النهائية دون سواها .
وعليه يمكن تعريف هذا الاعتراض بانه طريق غير عادي للطعن في الاحكام النهائية ممن لم يكن خصماً ولا ممثلاً في الدعوى محل الحكم المعترض عليه ويقدم للمحكمة مصدرة الحكم إذا توافرت شروطه بهدف دفع أثر الحكم الماس بحقوق مقدمه.
لا يجوز أن يكون وسيله للتدخل في الخصومة كونه لا يكون الا في خصومة اكتسب الحكم فيها الصفة القطعية وبالتالي لا يجوز التدخل والادخال فيها حيث ان التدخل والادخال انما يكونان في خصومة ما تزال منظوره أمام القضاء لتلافي صدور حكم بنتيجته قد يحدث مساساً بمصلحة هذا الغير القانونية أو الاقتصادية أو الادبية أو أي من مصالحه لذلك يلجأ إلى الدخول في الخصومة القضائية تجنباً لهذه الخسارة .
كذلك اعتراض الغير وإن كان طريقا للطعن الا انه طريق غير عادي ذو طبيعة خاصة ولا يعيب كونه طريقا للطعن أنه لا يقدم الى محكمة أعلى درجة بل يقدم الى ذات المحكمة مصدرة القرار فهو بذلك ذو طابع خاص.
الفرع الثاني : أنواع اعتراض الغير
أولاً : اعتراض الغير الأصلي :
وهو الاعتراض الذي يقدم الى المحكمة التي اصدرت الحكم المعترض عليه يتخذ فيه المعترض صفة المدعي المبادر بالطعن في الحكم , بمعنى انه تعرض مبتدأ الى حكم يقدم لذات المحكمة التي سبق واصدرته يخاصم فيه المعترض كمدعٍ المعترض عليه كمدعاً عليه.
وهذا يعني أن اعتراض الغير الأصلي يقدم إلى ذات المحكمة التي أصدرت الحكم سواء كانت محكمة صلح أو بداية أو استئناف .
حيث أن مجرد قيام محكمة الدرجة الثانية سواء كانت بداية بصفتها استئنافية أو محكمة استئناف فقيامها بتصديق قرار محكمة الدرجة الأولى لا يجعل الحكم صادراً عن محكمة الدرجة الثانية حيث يبقى الحكم صادراً عن محكمة الدرجة الأولى .
ولكن يمكن أن يكون هناك تساؤل إذا صدر حكم وكان الحكم لا يمسه هذا الغير الخارج عن الخصومة إلا أن محكمه الدرجة الثانية عدلت هذا الحكم بطريقه تمس الحقوق الخاصة بهذا الغير فما هي المحكمة التي يقدم لها هذا الطعن ؟؟
قد لا يثور خلافا اذا ما ايدت محكمة الدرجة الثانية قرار محكمه الدرجة الأولى حيث تبقى محكمه الدرجة الأولى هي صاحبة الصلاحية لنظر هذا الاعتراض كونها هي التي انشأت القرار إلا انه اذا عدلت محكمة الدرجة الثانية القرار بطريقه مست حق الغير فإنها تصبح صاحبة الصلاحية لنظر هذا الطعن ، وتدعيم لذلك كون أن المساس الذي حصل والذي هو بحاجة إلى تعديل حسب رأي مقدم الاعتراض وطلبه هو القرار الصادر عن محكمه الدرجة الثانية ولا تملك محكمه الدرجة الادنى تعديل او الغاء قرار المحكمة الأعلى حتى لو كان ماساً بالحقوق او واجب التعديل ضمن البيانات التي تقدم طبقا للقواعد العامة.
ثانياً: اعتراض الغير الطارئ :
هو تدخل يقع من المعترض ابتداءً لمحو اثر حكم يمكن ان يلحق ضررا بمصالحه لذلك فهو يقوم ابتداءً بالطعن كمدعٍ في الحكم المعترض عليه بطريقه طعن غير عادي هو اعتراض الغير الأصلي وينصب المعترض عليه كمدعا عليه في هذا الاعتراض.
أما الاعتراض الطارئ فإنما يكون تجاه حكم ابرزه احد الطرفين في خصومه قائمه فعلا اثناء نظر تلك الدعوى ليثبت به ادعائه او يضحد ادعاء خصمه فيعترض هذا الاخير على الحكم الذي لم يكن طرفا او ممثلا او متدخلا فيه وذلك امام المحكمه التي تقوم بنظر الدعوى القائمة بطلب عارض يقدم للاعتراض على الحكم المبرز بهدف الغاؤه او تعديله .
وفي النظم القانونية التي تأخذ بهذا النوع من الطعون تثور إشكالية عندما يراد إبراز حكم صادر عن محكمة ذات درجة أعلى (كمحكمة البداية مثلاً ) في نزاع قائم ومنظور امام محكمة أدنى ( كمحكمة الصلح مثلاً) فهل يجوز ان نطعن في قرار المحكمة الأعلى درجة وهي (البداية مثلاً) امام محكمة أدنى درجة (الصلح مثلاً) ؟
-تشير المادة (207) من قانون أصول المحاكمات الاردني الساري انه يشترط لقبول الاعتراض الطارئ أن يقدم الاعتراض بلائحة الى المحكمة التي تنظر الدعوى اذا كانت مساوية او أعلى درجة من المحكمة المصدرة الحكم المعترض عليه وكان النزاع الذي صدر فيه الحكم داخل في اختصاصها وأن يقدم اثناء سريان خصومة أخرى امام محكمه الاعتراض فإن تخلف أي من هذه الشروط وجب على المعترض ان يقدم اعتراض الغير الأصلي , وللمحكمة حينها وقف السير في الدعوى القائمة لحين البت في الاعتراض اذا ما كان الفصل في الدعوى القائمة يتوقف على الفصل في الاعتراض .
وبناء على ذلك هناك تفرقة بين نوعي الاعتراض وسيتم بيانها فيما يلي :-
يقدم اعتراض الغير الاصلي الى ذات المحكمة التي اصدرت الحكم بينما يقدم الاعتراض الطارئ للمحكمة التي تنظر دعوى آخرى قائمة.
يقدم اعتراض الغير الاصلي ابتداء قبل ان تثور اي خصومة سابقة اما الاعتراض الطارئ فيقدم بسبب قيام خصومة قائمه ومنظوره بين طرفيه.
بينما يقدم الاعتراض الاصلي بدعوى أصلية مستقلة بينما يقدم اعتراض الغير الطارئ بإستدعاء كدفع في دعوى قائمة.
أما قانون الاصول الفلسطيني فالمشرع تبنى ان يقدم الاعتراض بلائحة دعوى والى ذات المحكمة التي اصدرت الحكم المعترض عليه كما جاء في المادة ( 1/246) حيث لا يوجد ما يمنع تقديم اعتراض الغير على حكم طلب ابرازه امام محكمة في خصومة قائمة لكن لم يأتِ النص على تقديم الاعتراض بموجب استدعاء الا ان القاعدة العامة أن طرق الطعن من النظام العام ولا يمكن إضافة طريق آخر للطعن خلاف المقررة قانوناً.
وفي المادة 246)) من ذات القانون نص المشرع على أنه" يقدم اعتراض الغير بلائحة دعوى الى المحكمة التي أصدرت الحكم عليه " وبالرغم من عدم ذكر كلمة المعترض في نص المادة إلا أن المشرع الفلسطيني اخذ بالاعتراض الاصلي فقط ولم يأخذ بالاعتراض الطارئ ابداً بمعنى انه ومن استقراء هذه المبادئ لم يعرف المشرع الفلسطيني الطعن باعتراض الغير الطارئ وانما تبنى الطعن في الاحكام بطريقة اعتراض الغير الاصلي الذي يقدم الى المحكمة مصدرة القرار بموجب دعوى ولو أراد تبني الاعتراض الطارئ لوضع القواعد الخاصة به حتى لو لم يذكر اسمه كما بالنظم القانونية الأخرى .