سيرة ذاتية روائية -شخصية تاريخية عربية-

تفاصيل العمل

جاء اليوم الذي رحل فيه محرر عمان الأبدي من بطش البرتغاليين الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، في نزوى عاصمة الإمامة العمانية، يوم الجمعة 10 ربيع الثاني سنة 1059هـ / 1649م، ترك مسقط ومطرح تحت وطأة الاستعمار البرتغالي كرها، وكان الإمام السلطان بن سيف اليعربي يشد على يده وهو يستمع لوصاياه الأخيرة، وكانت الوصية الأخيرة:

-حرر مسقط ومطرح، لينعم الشعب العماني بالحرية.

التحفت عمان بثوب أسود حزين لفراق عزيزها ناصر، إلا أنها انتفضت بقوة وسرعة لمبايعة الخليفة الذي سيحرر عمان من براثين الغاشم، كان هذا القائد هو الإمام سلطان بن سيف اليعربي.

راقب البرتغاليون ردة فعل القبائل العمانية عند موت الإمام ناصر بن مرشد، منتظرين أن يعم عمان الفوضى والخراب، تصوروا عمان العزيزة لقمة سائغة، ولازالوا يطمعون في سرقة خيراتها وعاثوا في الأرض فسادا، وازدراد جبروتهم بموت الإمام ناصر بن مرشد ونقضوا الاتفاق الذي كان بينهم وبين العمانيين أيام حكم الإمام ناصر، وأعلنوا عدم التزامهم بالهدنة والصلح، ولم يتخيلوا ما سيجر عليهم هذا الإلغاء من ويلات لا تعد ولا تحصى.

ما إن أمسك الإمام سلطان بن سيف حكم عمان، حتى بايعته القبائل بكل صدر رحب، فلا غيره قد يكون أفضل، فهو ابن عم الإمام ناصر بن مرشد، وزوج ابنته نصري، وسليل اليعاربة الأشداء.

وصلت ا إمام الجديد أن الحامية البرتغالية أنقضت العمل بمعاهدة العقبة التي أبرموها بمثابة اتفاقية صلح مع الإمام ناصر بن مرشد، كما امتنعوا عن تأدية الجزية، أضف إلى ذلك، فقد وصله أن البرتغاليين غيروا العديد من المقتضيات، فقد عززوا وسائل الدفاع على القلعتين الشرقية والغربية، وكذلك تعزيز الجبهة العسكرية والسواحل المحيطة بهم كلها، وتم طرد كل العمانيين من مسقط، ما عدى السكان الأصليين..

كان رد القائد سلطان بن سيف حكيما، فقد أراد منح فرصة أخرى لهم، فأرسل رسولا يبلغهم تأدية الرسوم التي قررت في اتفاقية العقبة، كما طلب أن يشتري المئونة من مسقط، فوصله من البرتغاليين رفض لطلباته، وقطعة من لحم الخنزير معها رسالة:" يمكننا منحكم تموينا مثل قطعة اللحم هذه!" وكان هذا استفزازا صريحا للإمام، فأخبر الرسول برسالة مفادها:

-أخبرهم أنه حان الأوان للخروج من عمان بصفة نهائية، فمسقط جزء من الدولة العمانية وستعود لأصحابها، إن لم يتم إجلاءهم وانتهت المهلة فأخبرهم أن الحرب ستقوم على رؤوسهم.

لم يعد أماما القائد الجديد مجال للتراجع فوضع هدفا نصب عينيه، وهو تحرير مسقط ومطرح وضمها لباقي الأراضي المحررة، لتنعم عمان الأبية بالراحة الأبدية.

خطط لليالي طويلة وأيام عديدة، جمع العتاد والعدة، وتلحق به جيش قوي، وأرسلت كل القبائل رجال أشداء كي يمسكوا الزمام مع القائد العتيد.

وهكذا اجتمعت القيادة العمانية بكل عناصرها وقائديها، في مدينة نزوى عاصمة الإمامة العمانية، تمشى في الغرفة، وقد راقبته كل الأعين، فنطق:

-متى سنسكت على الظلم الذي نتجرعه كل يوم من العدو؟

صعدت التنهدات، فزمجر القائد كالأسد:

-هذه هي الفرصة، ولن أذخر ولو دقيقة، بل ولا ثانية في سبيل تحرير مسقط ومطرح وحصن صحار، ما بدأه القائد الإمام ناصر بن مرشد علينا إنهاءه.

تصاعدت الهمهمة وبدأ الجميع يتنفس الصعداء، كأن طاقة شحنت فيهم من جديد، وقف الإمام سلطان بن سيف وبدأ بالتخطيط، والكل متنبه مستمع له، أشار لهم:

-سنقسم العمل على أربع جهات، ستكلف البحرية بالعمل على كل السفن الموضوعة في الميناء، لتحول إلى سفن حربية، على السفن أن تكون في أقصى إعداد، ليتم شحنها بشكل تطوق به الأسطول البرتغالي.

ظل الجميع محتارا، فابتسم القائد الإمام:

-سيكون كهلان بن خميس المعشري هو صاحب هذه المهمة.

فكر الإمام:

-سمعت أنه على علاقة بأحد التجار الهنود، وأن له معرفة لكل المداخل في مسقط عليه مراقبة تحركات العدو، ولو حركة بسيطة على أن أعرفها، وكذلك لن نستهن بالزوارق الصغيرة، فلكل مهمته، فوضوا المهمة لالقائد سليمان السيابي ليكون قائد الزوارق الفدائية وسيكون عليها نقل البضائع الخفيفة دون أن يعلم عنها البرتغاليين، فالمباغتة أهم عنصر لدينا.

تمشى القائد يمنة ويسرة وهو يفكر، ثم رفع رأسه:

-أما فرقة الخيالة فسيكون قائدها هو الخروصي.

وقف الخروصي صائحا:

-أمرك سيدي الإمام.

ضيق الإمام سلطان بن سيف عينيه:

-وأهم شيء، هم المشاة الذي سيتكلفون بالأقواس، قائدهم سيكون ابن مغيوث التوبي.

زفر ابن مغيوث التوبي وملأ صدره مستعدا، نظر إليه الإمام نظرة الصقر ووضع يده على كتفه:

-المعركة لكم، مستقبل عمان بين أيديكم.

التفت الإمام إلى القائد مسعود بن رمضان الذي كان القائد العام للجيش:

-عليكم إرسال رسالة سرية للقائد المسعري وأبلغه بالتقرير الذي خرج من القيادة، وأبلغه أنه سيكون المسئول عن التبليغ، كما عليه دعوة أهالي مسقط والتجار الهنود هناك للمناصرة والتأثير على جنود البرتغال. عليهم شل عمل المحتلين فلا يجدوا من يتعاون معهم، ثم الخطة الأخيرة التي ستفيض الكأس: الإضراب العام.

وصلت لحظة لا رجعة فقد آن الأوان لتحرير مسقط، زحف الجيش العماني اتجاه الحصون المنيعة للجيش البرتغالي، كانت أولى المعارك هي طوي الرولة، حارب العمانيون ببسالة وشجاعة، وبقوة لا تضاهى، وتكبد العدو خسائر عديدة، لم تهدأ الهجمات ليل ونهار، طيلة الأسابيع، وشدد الجيش العماني الحصار..

بدأ الجيش العماني، يتعب أكثر، عكس البرتغاليين الذين صمدوا أكثر، بسبب المؤونة التي لديهم، والعتاد الذي لن ينتهي.

لم يخفي الإمام اليأس الذي تسرب إلى نفسه، وبدأ يشعر بالوهن والتعب الذي طال الجنود، في الأخير بدا بالتفكير بسحب كل القوات، حتى إشعار آخر، أو يجد خطة أخرى.

بطاقة العمل

اسم المستقل Afaf M.
عدد الإعجابات 1
عدد المشاهدات 54
تاريخ الإضافة