تفاصيل العمل

شعر أن رائحة الورد تزكم أنفه، استنشقها بهدوء، شخص ما يضع باقة ورد على المنضدة، حاول التفكير في هوية الشخص الذي سيبعث له هذه الهدية اللطيفة، من يا ترى؟، رغم أنه خمن الإجابة، لكن جعلها مفتوحة على أكثر من فرضية، هز رأسه موافقا لهذا الاستنتاج، ليس كل ما نفكر فيه هو الحقيقي، سيرجع إلى النوم، تقلب في فراشه وهو عاري الصدر، سعل بقوة، بحث بيده على اللحاف، لكن الظاهر أنه في الأرض، لن يجلبه، بدأت أفكاره تهدأ من ضجيجها الصاخب، انتظم تنفسه وهو يحشر المخدة تحت رأسه، دائما ما ينام على بطنه، اهتز رأسه بقوة ثم ظهرت علامات التذمر على وجهه، لا يريد الاستيقاظ الآن، رفع هاتفه، وأجاب وهو يوجهه إلى السقف دون أن ينبس كلمة، بدأ تنفسه ينتظم مجددا، سمع صوتا يتحدث:

-آدم، هل لا تزال نائما؟

انتفض وهو ينظر في الأرجاء حول مصدر الصوت، ثم سرعان ما لمح هاتفه ولمع اسم حفصة على الشاشة، تحشرج صوته وهو يجيب:

-أهلا حفصة

ضحكت هي بصوت طفولي:

-لا أصدق أنك نائم، الساعة بالفعل لديكم هي العاشرة والربع

نهض ووقف وهو يبحث عن قميصه:

-كم الساعة لديك أنت؟

-التاسعة والربع، أخبرتك مرارا وتكرار أن الفرق هو ساعة بين مكة والقدس..

حشر رأسه تحت السرير، ثم حدث نفسه:

-أين وضعته؟

سألته حفصة:

-أين أنت؟ هل أكلم السقف؟ أم أنك تحرمنا من جمالك؟

تنهد هو:

-أنا لازلت لم ألبس ملابسي، لكن لا أمانع بالحديث معك هكذا، لو أنك سمحت

مطت شفتها بإحراج:

-أود رؤية الحرم المكي، هل يظهر من الفندق؟

ضحك هو بقهقهة:

-قولي أنك محرجة لما تبحثين عن الحرم..؟

مد يده إلى خلف السرير ووجد القميص الكاكي هناك، وقف منتصبا ولبسه، ثم رفع الهاتف ليري وجهه:

-ها أنا، كيف الحال؟

أرجعت حفصة شعرها إلى الخلف:

-كالعادة، أزداد جمالا، يوما بعد يوم

سكت وهو يراقب الورود الموضوعة على المنضدة بتفكير، اقترب منها وهو يرمق البطاقة، من أرسل له وهو لم يُعلم الكثير أنه هنا في مكة:

-أحدهم أرسل لي الورود..

سكتت حفصة وهي تراه يتقدم إلى المنضدة ويحمل بين أصابعه الورقة التي كان فحواها: إلى الصديق العزيز آدم، بالتوفيق في فيلمك الجديد صديقتك الوفية حفصة، ضحك وهو ينظر إلى الشاشة:

-هذه أنت.. كنت أظن أنه شخص آخر مثلا

-من مثلا؟ ألديك حبيبة سرية؟

-كلا، يا ريت لو كانت، لكن لما اللون البرتقالي تبدو مشعة، لو كان الأبيض مثلا سيكون جميلا

-لما الأبيض؟، هل أنت عروس؟

ضحك وهو يدير الشاشة إلى الزجاج:

-انظري، الحرم المكي يبدو جليا من هنا..

حدقت حفصة:

-أجل، متى ستنتهي من المشاعر؟

ضحك وعينيه تدمع:

-اسمها الشعائر يا حفصة، وهي العمرة، سأعتمرها اليوم وأكمل العمل، على أي تبقت لي فقط أيام لأعود إلى فلسطين.

سكتت وهي تفكر، قطع حبل أفكارها متسائلا:

-وأنت؟ ماذا تفعلين؟

هزت كتفيها بلامبالاة:

-لا شيء، أنتظر أمي أن تنتهي لنذهب إلى الكنيسة، فاليوم هو الأحد..

ابتسم:

-إذا سأترك كي تنتهي، مرة أخرى أشكرك على الورود..

أقفلت حفصة المكالمة وهي تتنهد بحزن همست لنفسها:

-لأن اللون البرتقالي يعني الاعتراف بالحب أيها الأحمق

أما هو فنظر للورود وهو يضغط على رقبته:

-كان اللون الأبيض سيكون أكثر بهجة للغرفة..

التفت وهو ينظر للأوراق المكدسة، والحاسوب وأكياس البطاطا خاصته، تنهد:

-فعلا لا أعرف من يقوم بكل هذا..

فجأة لمح خريطة السفر التي كان يخطط لها منذ وقت طويل، لا يعرف لماذا تناسى أمرها؟

كان يرغب بأن يبدأ رحلة حول العالم، تكون الانطلاقة من القدس مدينته، ثم يبدأ بمكة، وبعدها تكون آسيا هي الوجهة الأولى..

هل يعقل أن مرض الاكتئاب الذي داهمه فجأة هو ما أوقعه في نسيان ما كان يحبه، تنهد وهو يعزم الأمر، أخذ الهاتف وهو يكتب رسالة لحفصة:

"أعتقد أني لن أعود لفلسطين بعد إنهاء العمرة.. ربما ستأخذ الرحلة محنى آخر.."

بطاقة العمل

اسم المستقل Afaf M.
عدد الإعجابات 0
عدد المشاهدات 33
تاريخ الإضافة