سيرة ذاتية روائية -شخصية عصرية مدير شركة-

تفاصيل العمل

طرقت بأصابعي على الطاولة وأنا غارق في التفكير، حول ما سأفعله، حاولت على قدر الإمكان أن أكون حليما، لكن "قدر الإمكان" هذه لم تكن أمرا يمكن أن يأخذ بالشركة لأفضل حال، تنهدت وأنا أراقب ظهره المنحني على لوحة المفاتيح، وأعينه الغائرة في الشاشة وكأنه روح خاوية، ضغطت بخفة على جبهتي لعل صداع رأسي يحل عني، لكن هيهات، قد عاهدني هذا الصباح أن لا يبرحني..

ضغطت على زر الاتصال وقلت بكلمات مسترسلة:

- رجاء، اطلبي من ياسر أن يمر لمكتبي

راقبت بهدوء السكرتيرة وهي تتوجه لمكتب ياسر الذي يظهر لي من الزجاج، لاحظت أنها احتاجت أن تكرر كلامها مرارا وتكرارا حتى رفع رأسه وكأنها لم تكن، رمقته باستغراب وهي تمد يدها لمكتبي في إشارة لكي يتوجه عندي، هز رأسه وكأن الكلمات تجد في رأسه سدّا منيعا، شيعتها بعيناي وهي ترحل وملامحها بدت أكثر قتامة، فقد ضيع وقتها لا غير..

دقيقة، دقيقتين، وقفزة لعشرة دقائق، لم يتحرك من مكانه، وظل ساهما في لوحة المفاتيح التي أمامه، وكأنها لحظة أبدية..

فجأة انتفض وكأنه تذكر ما جرى، فوقف والتفت إلى مكتبي، راقبت خطواته بتوتر، وأنا أشعر أنه في كل مرة سيسقط، فجأة انهار على الباب بعد أن تعثر بخيط الفأرة التي تدلت من مكتبه دون أن ينتبه..

وجدت نفسي واقفا وأنا أشعر بالحرارة تصعد من أعصابي الداخلية، زفرت بضيق وحاولت فك ربطة العنق التي ضيقت خناقها علي أكثر، دخل وهو يتثافل في مشيته، رمى نفسه على الكرسي وقال بلامبالاة:

- هل ناديتني؟

- قبل عشر دقائق

هز رأسه وهو ينظر للمجلات التي أمامه وكأن الذي أمامه زوجته التي تنتظره ليذهب بها للعشاء، أو صديقه، لماذا أشعر أني الذي تأخرت عليه، لا هو..

لا أخفي أني في قمة عصبيتي، رميت ميزانية هذا الشهر أمامه، نظر لها وقال وهو يتنهد:

- أخبرتني الآنسة منال أني أخطأت في بيانات المحاسبة

رفعت حاجبي باستغراب من محاولة عدم تهويله للأمر بهذه الطريقة:

- أخطأت؟

رفع نظره إليه، فلمحت تلك الهالات البشعة حول عينيه، همس:

- اعتذر

لم أعرف ما الذي قلته، وكيف قلته، وإلى أي حد قلت ما قلته، إلى أن اقتحمت مديرة القسم المالي منال المكتب وهي تهمس:

- سيد أحمد، صراخك وصل لقاعة الاستقبال في الطابق السفلي، رجاءً

زفرت بضيق وأنا أرفع يدي:

-اخرج

ما إن أقفل ياسر الباب الذي أغلقه بنفس الهدوء والبرود، حتى جلست منال وهي تهمس:

- لا تضغط عليه رجاء

كادت عيناي تخرجان من مقلتهما، فأكملت هي:

- لا نريد أن نكون سببا في قطع الأرزاق

هززت رأسي بتفهم:

- ماذا لو كان خطأه في الميزانية يهدد الشركة، ألا بأس بأن يتم اقتطاع أرزاقنا جميعا؟

سألتني وهي تنظر مباشرة في عيناي:

- هل تتحمل أن يرفع يداه في كل صلاة يدعو عليك لأنك قطعت رزقك

لا أخفي أني شعرت بزعزعة داخلية مع نبرة صوتها الهادئة والثابتة، هكذا نحن، دائما ما نلجأ للجانب الديني للضغط على الطرف الآخر في أي نقاش، تنهدت هي وكأنها قرأت أفكاري لتقول:

- ليس هذا وحسب، لقد توفيت ابنته منذ شهرين، ولا يكاد يخرج من صدمته

ترقرت عيناها بالدموع وهي تقول دون أن تلتفت:

- أرأيت الصورة التي في مكتبه؟

رفعت رأسي ورأيت فعلا صورة صغيرة لم أتبين فحواها، فقالت منال:

- هل ينظر لها، أليس كذلك؟

رفعت حاجبي باستغراب، وكأن لديها أعينا في رأسها الخلفي، ختمت حديثها وهي تعقد يداها:

- هي صورة ابنته

تنهدت وأنا أشعر بخواء:

- لكن لا يمكنني أن أتركه لهذا، أستاذة منال، لو أن قسم المالية لم ينتبه لخطأه لكنا في خبر كان، رجاء دعينا من المشاعر العاطفية

وقفت هي:

- أنا من عينته أثناء المقابلات قبل شهرين، كان شخصا مجتهدا، وكان سبب عمله الأول أن يدفع رسوم مرض تنقية كلى ابنته، لكنها توفيت قبل راتبه الأول، ما أطلبه أن لا تقطع رزقه، وأن تكون إنسانيا، لا تنسى ذلك سيد أحمد

رمقتها بحنق وهي تخرج، انتقلت عيناي بين حساب الميزانية، وبين ظهر ياسر المنحني أمامي، وبين ثانية وثانية، حاولت ان أصل إلى حل..

حل يكون لا قاطعا لرزقه، ولا سببا تنهار عليه شركتي

بطاقة العمل

اسم المستقل Afaf M.
عدد الإعجابات 0
عدد المشاهدات 30
تاريخ الإضافة