تفاصيل العمل

10 أسباب لنهضة سنغافورة

كان لي كوان يو المعروف عالميا بصانع معجزة سنغافورة الاقتصادية يقول: (حياة البلدان التي تشبه حياة الإنسان، فـيها الحلو والمر، والماضي والحاضر والتخطيط للمستقبل).

تدعو سنغافورة نفسها بمدينة الأسد، فهذه الجزيرة الصغيرة المكونة من خمسة ملايين شخص تفتخر بامتلاكها ثاني أكثر المطارات ازدحاما في العالم، وبأن دخل الفرد فيها أعلى بكثير من بريطانيا، وبأنها على رأس القائمة في مجموعة أخرى من التصنيفات مثل قوائم الدول الأقل فساداً والأكثر ملائمة للأعمال التجارية. وتشكل سنغافورة دليلاً حياً على أن النهضة ممكنة ومتاحة لجميع الدول على حد سواء.

ويتلخص إنجاز سنغافورة في الخروج من مصاف دول العالم الثالث إلى العالم الأول في رؤية وضعها لها منذ فترة طويلة زعيمها المؤسس لي كوان يو. فلقد أدرك السيد لي والمؤسسون لهذه الدولة أن هناك شروطاً لابد من توافرها وآليات وخطط لابد من العمل علي تنفيذها لتحقيق هذه النهضة. فسنغافورة هي دولة بلا موارد، متعددة الأعراق والأجناس والديانات، كانت تعاني من فقر شديد، ومع ذلك إستطاعت تحقيق نهضة عظيمة في فترة وجيزة، صارت بها حديث الناس في كل الدنيا. ونحاول فيما يلي توضيح الأسباب الرئيسية لهذه النهضة في:

1.الوحدة الوطنية.

حرص السيد لي والمؤسسون علي توحيد الدولة نحو هدف واحد كأولي الخطوات في سلم النهضة، لذا سارعوا بزرع معاني الوحدة الوطنية وإلغاء الفوارق بين الأعراق والأجناس والديانات داخل سنغافورة. ولتحقيق ذلك قاموا بعدة إجراءات منها:-

1-وضع اللغة الإنجليزية كلغة أساسية للدولة. علي الرغم من أن السيد لي كان من أصل صيني ويتكلم الصينية إلا أنه تنازل عن لغتة لتوحيد بلاده.

2-إختيار الأفراد الأفضل لتولي الوظائف والمهام، مهما كانت انتماءاته أو أصله أو دينه

3-التعالي عن المصالح الحزبية الضيقة، والتخلي عن ثقافة التعصب الفصائلي، وتقديم مصلحة سنغافورة وقضيتها وشعبها على أي مصلحة حزبية أو فئوية أو شخصية.

2.القوانين

حرصاً علي إستقرار الدولة كان لابد من وضع قوانين وإجراءات تساهم في تحقيق النهضة المرجوة، لذا تم إعتماد قوانين الدولة من حيث:-

1-قوانين صارمة وضمان سيادتها بتطبيقها الفعلي وعدم التساهل في ذلك، مع العمل على استقرار أجهزة الدولة واتصافها بالكفاءة والنزاهة والانضباط.

2-قوانين لكل أنواع المخالفات. ( من القتل والسرقة ......... إلي إلقاء اللبان في الشوارع).

3-معلنة في كل مكان. (الجرائد – التليفزيون – الشوارع - .... حتي طباعة هذه المخالفات وعقوباتها علي أقمصة و غلاف كتب .... إلي غير ذلك)

4-استقلال القضاء وتطبيق احكامه بعدالة من غير خضوع للضغوط الداخلية أو الخارجية واليكم مثل بسيط من تجربة سنغافورة . يذكر لي كوان يو في كتابه السابق انه في عام 1993 قام امريكيا عمره 15 عام ومعه مجموعة من الأصدقاء بتخريب بضع اشارات المرور ورش الأصباغ على اكثر من 25 سيارة وقد حكمت عليهم المحكمة ب 6 ضربات بالعصا والسجن لأربعة أشهر غرامة 2500 دولار، وتم تنفيذ الحكم بالرغم من محاولات أمريكية مستميتة لمنع التنفيذ. لكنه نفذ.

5-تطبق علي الجميع داخل الدولة دون تفرقة بين وزير و عامل.

3.القضاء علي الفساد

وذلك عن طريق سياسة الوقاية من الفساد من حيث:-

1-دعم منظومة قيمية في كل الدولة (المدارس – الوزارات ...) تحض علي تجنب الفساد والعمل لما فيه مصلحة الدولة

2-أنشأت الحكومة دائرة التحقيق في الممارسات الفاسدة – CPIB

3-محاسبة الفاسد أياً كانت وظيفته أو إنتماؤه. (محاكمة وزير دفاع سنغافورة بتهمة الرشوة في قضية سلاح من فرنسا)

4-خفض مستويات البيروقراطية والهياكل الإداري لمستويات متدنية. حيث يتكون الهيكل الإداري للدولة من حوالي 50 ألف موظف لا اكثر، وعلى درجة كبيرة من المهنية والتعليم والثقافة.

5-التعيين في الوظائف طبقاً للكفاءة دون محسوبية

6-ـ الفصل بين الوزارات وإدارة التنفيذ، حيث يتولى التنفيذ في الغالب هيئات ومؤسسات منشأة بقانون. ومن شأن ذلك تفريغ الوزارة من سلطة التنفيذ وإزالة سبب ما يمكن أن يترتب عليه من فساد ولا يبقي للوزارة إلا التفكير الاستراتيجي للمدى المتوسط والبعيد.

7-رفع مرتبات الموظفين في الدولة بشكل يجعل منها كافية لتوفير مستوى حياة كريمة، فدفع أجور مرتفعة أهم رادع للفساد.

8- الحد إلي اكبر قدر من تعامل الموظفين بالمال، فالرسوم والغرامات تدفع الكترونيا، ذلك لان التقليل من لمس الموظف للمال يوفر الجهد والوقت ويقلل من الفساد.

9-حظر استعمال الصفة في الأماكن التي تقدم خدمات بالنسبة لكل الفئات العليا من الموظفين.

4.إصلاح التعليم

يقول لي كوان يو رئيس وزراء سنغافورة (سنغافورة تحتاج الى الابداع وليس الى حشو المعلومات).

وقد إنتهجت سنغافورة العديد من الإستراتيجيات ساهمت في تحقيق سنغافورة المركز الأول في جودة التعليم علي مستوي العالم طبقاً لتقرير التنافسية عن عام 2015. ولعل أهم هذه الإستراتيجيات :-

1-الإهتمام بالمعلم، وهو ماتمثل في :-

1)اختيار المعلمين من الثلث الافضل من خريجي مدارسها

2)التدريب والتأهيل المستمر

3)عدم السماح لهم بالتسرب خارج البلاد

4)إعفاء المعلم من كافة الاعمال الادارية والكتابية حتى يتفرغ للتعليم

5)رواتب وحوافز مجزية.

2-انشاء مدارس ذكية. مجهزة بتقنيات حديثة وشبكات اتصال واسعة مع مدارس ومراكز تعليم وتدريب داخلية وخارجية تخدم المعلمين والطلبة في آن واحد

3-المناهج الدراسية:

1)التركيز على التفكير والاستنتاج والتحليل بعيدا عن التذكر والتلقين هدفها خلق طالب قادر على التفكير الخلاق والتعلم الذاتي

2)الإهتمام بمناهج العلوم والرياضيات والقراءة في مختلف المراحل الدراسية عناية فائقة مما جعلها تحتل مراتب متقدمة في الاختبارات الدولية (Timss & pisa)

4-مدير المدرسة. وفرت له مساحة من الاستقلالية والمشاركة في القرارات التربوية سواء كان ذلك متعلق بالمناهج ومراجعتها او باجراءات التقويم قريبة او بعيدة المدى وبالتعاون مع مجلس التربية والتعليم في المنطقة.

والشعار المعلق علي المدارس هو ( مدرسة تفكر.... وطن يتعلم )

5.التسهيلات التجارية

لجذب الاستثمارات الأجنبية تم إتخاذ عدد من الإجراءات منها :

1-تجهيز البنية التحتية المناسبة

2-تطوير قطاع الخدمات

3-إنشاء هيئة التنمية الاقتصادية, كمؤسسة واحدة يسهل على المستثمر التعامل معها ولا يحتاج للتعامل مع عدد كبير من الإدارات والوزارات (نظام الشباك الواحد)

4-تشجيع الصادرات

5-منح إعفاء من الضرائب يصل إلى عشر سنوات مما جعل بعض الشركات الأجنبية تقبل على الاستثمار

6- تذليل العقبات التي تعترض المستثمرين الأجانب

7-اجتذاب الاستثمارات في مجال إنتاج سلع القيمة المضافة المرتفعة

8-التركيز على أربع صناعات أساسية هي بناء وصناعة السفن وهندسة المعادن والكيماويات والأدوات الكهربائية.

6.نهضة إقتصادية

اعتمدت سنغافورة ٣ محاور رئيسية، من أجل تحقيق النهضة باقتصادها، هي:-

1)الاعتماد على خطة تسويق وترويج تجارتها بشكل يتيح وجود وارداتها وصادراتها بالأسواق بشكل دائم

2)الاتجاه نحو تأسيس قاعدة من العلاقات التجارية القوية مع مناطق التجارة الحرة وطرق الاستثمار بين البلاد الأخرى

3)تأسيس بنية تحتية تجارية قوية للغاية استغلتها لتعزيز قدرتها التنافسية.

7.قيادات ذات رؤية ونزاهة

حب الوطن كان المحرك الرئيس لمعجزة سنغافورة, وتحوّل هذا الحب لإرادة سياسية , ومنهج عمل، وتخطيط، تبناه فريق عمل إتصف بعدد من السمات:

1-فكر و رؤية.

2-نظافة اليد

3-الإبداع

4-حب البلاد والإستعداد للتضحية.

5-القدرة علي التعامل مع الأحداث بإيجابية.

ويؤكد لي كوان يو اهمية القيادات الوطنية في بناء الدولة بالقول " بعد عدة سنوات في الحكومة ، ادركت انني كلما اخترت اصحاب المواهب كوزراء واداريين ومهنيين ، كلما كانت سياساتنا اكثر فعالية واكثر نجاح "

8.بناء مجتمع العدالة الاجتماعية

عن طريق عدة إجراءات منها:

1-يتم التعيين في مختلف الوظائف يتم عبر مناظرات عامة مفتوحة للجميع.

2-يحصل موظفو القطاع العام على رواتب تنافسية مثل القطاع الخاص إن لم يكن أعلى

3-نظام شامل للضمان الاجتماعي الممول ذاتياً، يقوم علي تحصيل ضرائب من الأفراد يتم الإستفادة منها في إنشاء صناديق إدخارية لتمويل إمتلاك الأفراد للبيوت وتقديم الرعاية الصحية.

4-دعم قيم الحفاظ علي إستقرار الأسرة والتكافل بين أفراد العائلة في شتي الجوانب.

5-دعم الثقة بالمسؤولين والموظفين الشباب الذين تمتعوا بالاستقامة والأمانة والذكاء والطاقة

وكان التركيز على " المنظومة القيمية " التي يمارسها ابناء المجتمع خاصة القيادات أثرها على تهضته وعطاء ابنائه.

9.نهضة صناعية

بدأت سنغافورة بالاعتماد على نفسها من خلال:-

1-صعود سلّم القيمة المضافة منتقلة من الصناعات الخفيفة مثل النسيج، والملابس، والمواد البلاستيكية إلى صناعات متطورة كالإلكترونيات، والمواد الكيميائية، والهندسة الدقيقة، وعلوم الطب الحيوي. بالإضافة إلى ذلك، مضى هذا التطور جنبا إلى جنب مع زيادة كبيرة في الخدمات، وخاصة الخدمات المصرفية.

2-اتباع استراتيجية النظر إلى الخارج والتصدير من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية.

3-وضع قوانين وسن تشريعات تهدف إلى وضع معايير للعمالة الصناعية وتقديم تسهيلات لرأس المال الأجنبى.

4-إنشاء مناطق صناعية، ذات بنى تحتية وبأسعار دعم عالية مع السماح بحرية دخول السلع وإعفائها من الرسوم الجمركية.

5-استيراد أحدث التطورات التكنولوجية العالمية لزيادة إنتاجية رأس المال والعمالة، وذلك من خلال تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوظيف المواهب الأجنبية كوسيلة لنقل المعرفة.

6-بدأ صناعات جديدة مثل صناعة الحديد والفولاذ والصناعات الخدمية مثل شركة النقل البحري وشركة النقل الجوي وشركات أخرى كبرى في مجالات متعددة كالتأمين والنفط.

7-اعتماد السياحة صناعة رئيسية، فهي ثالث أكبر مصدر للعملة الأجنبية في سنغافورة، ويصل إلى سنغافورة حوالي خمسة ملايين ونصف المليون سائح سنوياً، أي ما يزيد عن عدد سكان الجزيرة.

10 – قوة إعلامية

لنشر تجربتها وتسويق إمكانياتها وجذب المستثمرين، قامت سنغافورة بما يلي:-

1-إنشاء مؤسسات اعلامية متقدمة تتمثل في 9 محطات راديو و3 شبكات تلفزيون و8 صحف محلية.

2-إتاحة فرص البعثات التعليمية داخل سنغافورة وهو ما يتيح لها نشر تجربتها.

3-إستقطاب الرموز والمشاهير لزيارة سنغافورة للتعرف علي تجربتها والتحدث عنها بشكل جيد في كل مكان.

4-نشر مواد مقروئة ومسموعة ومرئية توضح إنجازات قادة سنغافورة.

لكل هذه الأسباب وغيرها إستطاعت سنغافورة في سنوات معدوده الإنتقال من دولة خارج سياق التاريخ، إلي دولة تصنع تاريخ ومستقبل خاص بها، وتحفز غيرها نحو صنع مستقبل أفضل لهم.

يقول (فيليب يو) : "ليس لدينا أسرار، لدينا فقط كلمة واحدة اسمها العمل".

ويقول لي كوان يو : (لا يدوم شيء فـي التاريخ أكثر مما هو مكتوب له انظروا إلى الاستعمار، كيف انتهى فـي جنوب شرق آسيا وفـي الشرق الأوسط، من كان يظن فـي بداية القرن الماضي ان هذا الاستعمار، كان سينتهي؟).

بطاقة العمل

اسم المستقل
عدد الإعجابات
0
عدد المشاهدات
62
تاريخ الإضافة