كيف تضع ما تتعلمه حيز التطبيق
(خطوات عملية)
الفجوة بين المعرفة والتطبيق
التعلم الحقيقي يتضمن إحداث تغيير في سلوك متلقيه، فالتعلم ما هو إلا رحلة للانتقال بالمعرفة إلي حيز التطبيق.
والسؤال المطروح هنا هو : إلي أي مدي تؤثر قرءاة الكتب وحضور الخطب والمحاضرات وسماع التسجيلات إلي تغير حقيقي في سلوك الإنسان؟
وللإجابة عن هذا التساؤل نجد أنه بالرغم من الزيادة الهائلة في الإنتاج المعرفي والثقافي في عصرنا هذا، إلا أن التغير في سلوكيات الإنسان لا يتتناسب مع حجم هذا الإنتاج المعرفي. ويلاحظ أيضاً أن الناس يقضون في اكتساب المعلومات الجديدة وقتاً أطول مما يقضونه في وضع الخطط المناسبة لكيفية استثمار معرفتهم السابقة في حياتهم اليومية. وهنا تظهر الفجوة الرهيبة بين المعرفة والتطبيق.
وقد تم دراسة هذه المشكلة من قبل العديد من المتخصصين وتنوعت الحلول المطروحة للتخلص من هذه المشكلة، وفيما يلي نعرض تصوراً مناسباً بني علي أفكار هؤلاء المتخصصين لحل هذه المشكلة.
أولاً : تحديد المشكلة : لماذا لا نستفيد مما تعلمناه ؟
هناك ثلاث أسباب وراء عدم استفادة الإنسان مما يتعلمه أو عدم محاولة تطبيق هذه المعلومات، وهي:-
1-الإفراط في إكتساب المعلومات.السهولة في الحصول علي المعرفة من خلال قراءة كتب جديدة وحضور محاضرات، تتسبب في وقوع الإنسان في فخ الإهتمام بزيادة كمية المعرفة التي يتلقاها دون توظيف هذه المعرفة في سلوكه اليومي.فيغرق الإنسان في متعة الحصول علي معارف جديدة دون محاولة الإستفادة منها في حياته اليومية.
2-التفكير السلبي.فمع زيادة كمية المعلومات التي يحصلها الإنسان دون أن يصاحبها تغير إيجابي في حياته، تقوم الأفكار السلبية بالعمل علي تقليل أهمية هذه المعلومات وكذا تقليل أهمية الدوافع التي تحفز الإنسان للإستفادة من هذه المعرفة المكتسبة وتطبيقها في حياته.
3-عدم المتابعة. إن تطبيق أفكار جديدة من شأنها تغيير العادات والسلوكيات في حياة الإنسان يتطلب بذل جهد حقيقي مكثف. ولكن أغلب الناس لا يعرفون كيف يتابعون عملية التغيير هذه، وبالتالي لا يحققون الأهداف الرئيسية لتحصيل هذه المعلومات.
ثانياً : تحديد الحل : حلقة الوصل المفقودة بين المعرفة والتطبيق
بمعرفة المشاكل الثلاث السابقة التي تتسبب في عدم تطبيق الناس لما يكتسبونه من معارف، تصبح الرؤية واضحة والقدرة علي إحداث تغيير إيجابي في حياة الإنسان من خلال الكتب والمحاضرات وغيرها أمر متاح ويمكن تنفيذه. ومفتاح عمل هذا هو :
"التكرار" فهو حلقة الوصل المفقودة.
فالتكرار هو مفتاح التغلب علي جميع الأسباب السابقة. إن المعلومة عادة ما تُحدث تأثيراً مؤقتا علي الفرد. ولذا فلابد من تكرارها أكثر من مرة علي فترات متفرقة، حتي يمكنها أن تحدث تأثيراً دائماً علي الإنسان. ويلاحظ أن مسئولي الدعاية والإعلانات لدي الشركات يستخدمون هذا الأسلوب بصفة مستمرة، فقد اكتشفوا أن نجاح تسويق المنتج يتطلب عدداً من العروض الدعائية كي يتعرف العملاء علي ما تنتجه الشركة، ومن ثم تصبح لديهم الرغبة في إتخاذ قرار الشراء.
وفيما يلي نتناول كيفية مساهمة التكرار في حل المشاكل الثلاث السابقة.
ثالثاً : آليات و وسائل الحل:
1-مشكلة الإفراط في اكتساب المعلومات:
إن ما نقرأه أو نسمعه مرة واحدة فقط، لا تحتفظ ذاكرتنا إلا بقدر ضئيل جداً منه، لذا :
أ-علينا أن نعمل علي تعلم وإتقان ما نحتاجه فعلا، كي يمكننا تطبيقه في حياتنا.
ب-عدم البدء في تعلم شيء جديد، قبل أن ننتهي تماماً من إتقان ما نتعلمه حالياً.
ت-بدلاً من أن تتعلم الكثير، تعلم القليل ولكن احرص علي التكرار ومراجعته من حين لآخر حتي تتقنه وتتطبقه.
ث-إتباع الإستراتيجية التالية في التعلم:-
1.تدوين الملاحظات. الاستماع وحده غير كافي لإكتساب العلم كما ينبغي. فبدون تدوين الملاحظات، ينسي الإنسان 50% تقريباً مما سمعه أو قرأه بعد ثلاث ساعات، و ينسي 25% بعد مرور يوم واحد، أما بنهاية الشهر فلن يستطيع تذكر أكثر من 5% فقط.
2.قراءة الملاحظات وتلخيصها خلال ال 24 ساعة التالية. إعادة قراءة الملاحظات المدونة وتلخيصها وتدوينها في ملف منفصل مما يسهل الرجوع إليها مرة أخري وتثبيت المعلومات.
3.نقل المعرفة للغير. إن أفضل الطرق لفهم الموضوعات وتثبيتها في العقل هو نقل هذه المعرفة للآخرين.
يقولالإمام الشافعي رحمه الله :
العلم صيـد و الكتابة قيــده قيد صيودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيد غزالــة وتتركها بين الخلائق طالقـة
ويقول الخليل بن أحمد الفراهيدي :
ما سمعت شيئًا إلا كتبته ، ولا كتبت شيئا إلا حفظته ، ولا حفظت شيئا إلاانتفعت به.
وقال أحد الحكماء:
لا يصلح العلم إلا بثلاث : تعيد ما تحفظ ، وتعلم ما تجهل ، ونشر ما تعلم..
2-مشكلة التفكير السلبي :
كي نتخلص من التفكير السلبي وتكتسب عقلية متفتحة إيجابية، فأنت تحتاج إلي:-
أ-استمع / إقرأ دون أن تكون لديك أية أفكار تحاملية أو مسبقة.
ب-استمع / إقرأ المعلومات الجديدة بلهفة واشتياق وحرص علي التعلم.
ت-استمع / إقرأ بتوقعات إيجابية.
ث-استمع / إقرأ مع تدوين الملاحظات.
ج-استمع / إقرأ ليس فقط لما كُتب أو يقال، ولكن إلي ما يمكن أن يعكسه ذلك في خيالك أيضاً.
ح-استمع / إقرأ وأنت علي استعداد تام لتطبيق هذه المعارف المكتسبة والإفادة منها.
ويعد التفاوت في استخدام هذا الأسلوب الإيجابي هو السبب وراء التفوق في أداء بعض الأفراد علي غيرهم.
وإلي جانب وجود تلك العقلية الإيجابية الطموحة تأتي أهمية التكرار أيضاً، فإن المحاولة أكثر من مرة في التخلص من التفكير السلبي والتمتع بعقلية إيجابية ومحاولة تناول المعلومة بأكثر من طريقة سيساهم بدون شك في تعظيم الإستفادة من المعارف المكتسبة.
في قصة مشهورة، اعتقد رياضيو ألعاب القوى لسنوات طويلة أنه من المستحيل للإنسان أن يركض مسافة الميل في أربع دقائق. وكان العداءون في سباقات الجري حول العالم يركضون الميل في أكثر من أربع دقائق. حتى جاء العداء الإنجليزي (روجر بانستر)، وقرر أن ينظر في التغيرات المطلوبة في أسلوب ركضه واستراتيجيته، ليستطيع اختراق حاجز الأربع دقائق للميل. بذل عدة أشهر من الجهد لتغيير نمط جريه حتى يصل إلى هدفه. وفي عام 1954م أصبح (روجر بانستر) أول رجل يركض الميل في أقل من أربع دقائق. بل إنّ عدوى كسر الرّقم انتقلت إلى كلّ العدّائين الّذين أتوا بعده، والسّبب هو تغلّبهم علي التفكير السلبي وكسر حاجز الخوف من تحقيق الحُلم، فنجحوا.
3-مشكلة عدم المتابعة:
إن الإنسان بحاجة لخطة متابعة ليضعوا ما يعرفونه في حيز التطبيق،،لأنه بدون خطة متابعة قد يستمر في التطبيق لفترة قصيرة ثم يعود لعادتهالقديمة ويترك كل شيء كما كان.. فالأشخاص الناجحين يتوقون للمعرفة و لديهم خطة متابعة للتعلم..
يقولبيتر دركر:لايوجد شيء جيد يحدث صدفة!!
لا تنتظر أن يأتي شيء بتغير حياتك مصادفة أبداً،،ابدأ من نفسك وسترى بإذن الله ..
لتغيير التصرف والحصول على النتائج التي تريدها تحتاج:لنظام متابعة،، ولدعم معنوي ،، وتحمل المسؤولية ،،، فعندما تكون هذه الأمور الثلاثة موجودة ستكون لديك خطة متابعة جيدة.. ويمكن إتباع الإستراتيجية التالية :
تعليم الفكرة
الشرح والتفسير
إعطاء فرصة للتطبيق
تصحيح الأخطاء
تعليم فكرة جديدة
الشرح والتفسير
إعطاء فرصة للتطبيق
تصحيح الأخطاء
تعليم فكرة جديدة
لذا، خطط، نفذ، تحمل مسئولية التنفيذ، شجع نفسك، كافيء نفسك، صحح أخطائك، تابع التنفيذ، علم غيرك.
وأخيراً، ومضاتسريعة:
حياة بلا هدف كسفينة بلا دفة كلاهما ينتهي به الأمر على الصخور..
النجاح يكمن في مشاركة ما تعلمته مع الآخرين وتعليم الآخرين إياه.
العلم هو السلم الوحيد نحو الحرية والنهضة.
لا توجد خطوة عملاقة تصل بك إلي ما تريد، إنما يحتاج الأمر إلي الكثير من الخطوات الصغيرة لتبلغ ما تريد.
صوب نحو القمر، فحتي إذا أخطأت، فأنت ستصيب النجوم.