كلنا يعلم ما يشهده القرن الواحد والعشرين الآن من ثروة معلوماتية هائلة وقواعد بيانات ضخمة في شتى المجالات، ولا يكاد يغيب عنا ما نسمعه أو نشاهده من أثر هذا التضخم المعرفي على عقل الإنسان وسير حياته. فالمكتبات تعج بالكتب والمجلات والدوريات، والإنترنت يحوي المئات بل الآلاف من المواقع لتحميل ما لا يعد ولا يحصى من المقالات والكتب والروابط المسموعة والمرئية، حتى أن أحدنا إذا زار إحدى المكتبات العامة أو الخاصة ليلقي نظرة على ما جدَّ في الساحة احتار أي الكتب ينتقي ليقرأ، وإذا أراد أن يفر إلى جهازه المحمول ليتفقد رسائل البريد الإلكتروني داهمته الروابط من كل حدب وصوب، فها هو دخل لشأن وخرج بعد مكابدة ومجاهدة إلى شأن آخر فما هو الحل إذن؟
أولًا: لا بد من وقفة تراجع فيها قائمة أولوياتك في المعرفة
فمثلًا بعض الكتب تستحق قراءتها من الغلاف إلى الغلاف وبعضها الآخر يكفيك منها تصفح سريع وتخرج بالمضمون، أي لا داعي لصرف المزيد من الوقت للتمعن بمحتواها، وعدد لا بأس به لن يضرك شيء إن لم تره أو حتى تسمع عنه. ومثل هذا الكلام ينطبق على قائمة الأفلام الوثائقية والبرامج المرئية والمسموعة وكل ما يمكن تسميته بمصدر من مصادر المعرفة. لذا تعقل وراجع أولوياتك وخذ نفسًا عميقًا قبل أن تبحر وتخسر الكثير من الجهد والوقت والصحة.
ثانيا: ضع خطة مناسبة ومنطقية في بداية كل عام
فمثلًا لكل شخص منا له تخصص ومجال عليه أن يصرف جل وقته في قراءة ما يتعلق فيه، ويتابع ما جدَّ على الساحة من أخبار ومقالات تتعلق فيه. وفي نفس الوقت عليه أن يخصص جزءًا لا بأس به للثقافة العامة، حتى لا يكون مغيبًا عن الواقع في ظل تغيراته السريعة والمفاجئة، لذا يتحتم عليه أن يضع خطة لما يريد أن يقرأ أو يتابع. ومن مميزات نجاح الخطة أن تكون تدريجية تناسب ما يمتلك المرء من قدرات وظروف.
وأن يتجنب الأرقام الخيالية التي ينصحه بها الاخرون لمن ليس لهم دراية بحالته الراهنة، لأنه إن وضع في مقدمة العام مهام مستحيلة سيصاب بالإحباط فضلًا عن الإرهاق في حالة عدم تمكنه من إنجاز ربع الخطة، وهذا حاصل مع الكثير لذا انتبه من أن تقع فريسة لخطة تظنها في بادئ الأمر عظيمة وهي في الأساس غير ذلك.
ثالثًا: مدى عمق المعرفة
فكما وضحت أعلاه أن على الشخص أن يقرأ أو يتابع في مجال تخصصه، وأيضًا لغاية الثقافة العامة لذا عليه أن يتخير الوقت المناسب لكل معلومة يرغب في إضافتها الى رصيده المعرفي، فمثلًا إن أراد أن يقرأ في مجال تخصصه كتابًا عميقًا فعليه أن يكون في كامل نشاطه وقمة تركيزه، وألا يضغط على نفسه بإنهائه في مدة بسيطة، لأنه يبني نفسه في مجاله. أما إن كان يقرأ معلومة ثقافية أو يرغب برؤية مقطع فيديو لمعلومة محفوظة لديه وبها توسع قليل فيمكنه أن يشاهد المقطع وهو في وسائل المواصلات أو في غرفة انتظار المستشفى مثلًا وهكذا. لذا تقدير عمق المعرفة أمر لا يقل أهمية عن تحديد الأولويات ووضع الخطة المناسبة.
رابعًا: تذكر حاجاتك الأخرى
حتى لا تنجرف مع التيار والحركة المعلوماتية الهائلة، قف قليلًا وراجع التزاماتك الأخرى وحاجاتك الفسيولوجية وطلباتك الاجتماعية، فمهما بلغت من مراتب العلم والتعطش له فإن لجسدك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهل بيتك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه، واجعل ضمن خطتك الانتباه لعباداتك وصحتك وعائلتك وأصدقائك، فليس المهم أن تنجز قراءة 100 كتاب في العام وأنت تعاني من ارتفاع في الضغط ونقص في الحديد.
وأسرتك لم تشاركهم فرحة المناسبات السعيدة إلا وأنت على عجل، أو يتملكك الغضب لأن البرنامج الوثائقي الفلاني فاتك فتنهار أخلاقك. لذا فالمهم أن تحافظ على نفسك لتتمكن من الاستمرار في طلب العلم الذي عشقته وأنت لم تقصر مع أحد إلا ما يحدث منك نتيجة القصور البشري، أما بحجة اللهث وراء كل معلومة وكل مصدر معرفة فهذا لا يصح.
وختامًا فإننا لا نزال كل يوم نستيقظ على كم معرفي هائل يجتاح الكرة الأرضية أجمع، ولكن إن أحسنا ادارة أوقاتنا ومعرفة ما ينبغي أن نقرأه أو نشاهده وما ينبغي أن نتجاوزه ولا نضع له حيز في مخيلتنا، فإننا سنتمكن بتوفيق الله من الحفاظ على صحتنا وباقي أنشطتنا بالتوازي مع طلبنا للعلم، والتعرف على باقي الثقافات الإنسانية. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
اسم المستقل | عائشة ا. |
عدد الإعجابات | 0 |
عدد المشاهدات | 26 |
تاريخ الإضافة | |
تاريخ الإنجاز |