دعنا نبدأ بتحديد الأصل اللغوي لكلمة Mummy الإنجليزية، فهي أتت من الكلمة العربية "مومياء" والتي تعني القطران أو "القار"، وهو المادة التي تُستخدم في عزل الأسطح وهو معروف أيضا باسم الإسفلت والذي يستخدم أيضا لرصف الطرق كما تعلم، فكيف أخذت الكلمة معناها المعروف ؟
.
بدأ الخلط في معنى الكلمة حين جاء العرب إلي مصر وكانت حينها تحت حكم الإمبراطورية الرومانية البيزنطية في القرن السابع، فوجدوا أهرامات مصر القديمة والجثث التي كانت موجودة بداخلها وبداخل المقابر، فبالنسبة للعرب بدت هذه الجثث كما لو كانت مطلية ومغطاة بالقار السميك أو المومياء البني والأسود وسميت مومياء لهذا السبب، وأصبحت هنا الكلمة ذات معنى أخر، الأول المومياء وهي مادة القار، والمعنى الجديد المومياء التي هي الجثث المصرية القديمة، وبعدها كتب العديد من أطباء الحضارة العربية الإسلامية القُدامى ولاسيما "ابن سينا - Ibn Sina" ومحمد بن زكريا "الرازي -Rhazes" عن القدرات العلاجية لمادة المومياء في كتبهم الطبية، والتي كان يُقصد بها بالطبع مادة القار ، وحين بدأ الأوروبيون في ترجمة هذه النصوص إلى اللاتينية ثم لاحقًا إلى الإنجليزية واللغات الأوروبية الأخرى، تعمق سوء فهم هنا لينتشر عالميا كما سنرى الآن ..
.
في القرن الثاني عشر قام "جيرارد كريمونا - Gerard Cremona" وهو من أوائل المُترجمين للكتب العلمية من العربية إلى اللاتينية أثناء ترجمة كتاب الرازي إلى اللاتينية بالخلط في أستخدام الرازي للكلمة بين مصطلح المومياء ومعناه مادة القار وأشار بدل من ذلك إلى الجثث المحنطة في مصر وبالتالي نشأ أحد أهم مصادر الالتباس، فنتيجة الخطأ في الترجمة أصبحت المومياء المصرية وفقا لترجمة جيرارد لكتاب الرازي تعالج الأمراض ومن مسببات الصحة في أوروبا، فأصبحت المومياوات المصرية مطلوبة بشدة بين شعوب أوروبا لخصائصها العلاجية، فكان الأوروبيون يطحنون جثث المومياء المصرية القديمة في شكل مسحوق ويبيعونها في السوق كعلاج لأي مرض عن طريق تناول بعض مسحوق المومياء بدءًا من القرن الثاني عشر وبلغت ذروتها خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر ..
.
لقد ولت أيام تناول مسحوق المومياوات المصرية لفوائدها الصحية بنهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، فلك أن تتخيل عدد مومياوات ملوك وكبار رجال الدولة في مصر القديمة التي تم طحنها وسحقها في شكل مسحوق في أوروبا على مدى 8 قرون بسبب خطأ في الترجمة، لحُسن الحظ أبتعد الطب عن تلك المساحيق، لكن كلمة مومياء لغويا ظلت تحمل نفس الرابط المشترك، وظلت المومياء المصرية مطلوبة في أوروبا لكي تُحفظ في المتاحف لديهم كما تلك المومياء في الصورة المُرفقة، فهي محفوظة في "متحف اللوفر - Musée du Louvre" بالعاصمة الفرنسية باريس ..