لو لم تكن قد قرأت رواية "دون كيشوت - Don Quixote" بجزئيها التي نشرت عام 1605م، فدعني أخبرك أنها تعد واحدة من بين أفضل الأعمال الروائية المكتوبة في التاريخ والتي تم ترجمتها إلى العديد من اللغات، وهي الرواية الأكثر مبيعًا على الإطلاق حيث تم بيع أكثر من 500 مليون نسخة منها، فهي عمل روائي بديع للمؤلف الإسباني "ميغيل دي سيرفانتس - Miguel De Cervants"، فالمؤلف كما أشار في مقدمة العمل كان نبيلا ثريا وفجاءة وجهت له إتهامات بأنه مختلسًا للمال العام، وبعد ثبوت التهمة عليه تم أيداعه في السجن، وهناك في ظلمة وضيق السجن وُلدت رواية "دون كيشوت - Don Quixote"، وفي عام 2002 وبناء على طلب "هيئة الكتب النرويجية - Norwegian Books Authority" فقد تم عمل قائمة بأفضل الأعمال الأدبية على مر العصور بتصويت مئة كاتب من الكتاب العمالقة من أربعة وخمسين دولة مختلفة، وظهرت الأعمال مرتبة ترتيبًا أبجديًا دون غلبة لعمل على آخر، ولكن باستثناء وحيد رواية "دون كيشوت - Don Quixote" التي تصدرت القائمة باعتبارها أفضل عمل أدبي تم كتابته في التاريخ ..
.
تدور أحداث الرواية حول شخصية "ألونسو كيخانو - Alonso Quijano" وهو رجل نبيل قارب الخمسين من العمر يقيم في قرية هادئة، وكان مولعًا بقراءة كتب الفروسية وحروب العصور الوسطى بشكل كبير، وكان بدوره يصدق كل كلمة من هذه الكتب على الرغم من أحداثها الغير واقعية على الإطلاق، فقد ألونسو عقله من فرط قلة النوم والطعام وكثرة القراءة، وقرر أن يترك قصره وعاداته وضياعه ويشد الرحال كفارس صنديد يبحث عن مغامرة تنتظره، وأخذ يتجول عبر البلاد حاملًا درعًا قديمة ومرتديًا خوذة بالية مع حصانه الضعيف، وأقنع جاره الطيب سانشو بمرافقته ليكون حاملًا للدرع ومساعدًا له مقابل تعيينه حاكمًا على جزيرة فوافق وصدقه لسذاجته، وأصبح يوُصف بفارس الظل الحزين، ولأنه فقد عقله فقد أصبح خياله فياض وكان يحول كل العالم الحقيقي المحيط به لعوالم أسطورية يعيش فيها القارئ، وكانت رحلته عبر القرى والمدن حافلة بعوالم من الفانتازيا لمحاربة التنانين والعمالقة والسحرة ولأنهم غير موجودين إلّا في رأسه، فإنّه بدأ يتخيل طواحين الهواء هم الأعداء والوحوش العملاقة، فأصبحت الرواية شديدة الروعة تأخذك في رحلة داخل خيال البطل المفعم بالحكايات والملاحم الأسطورية التي يخوضها فتعجب ببطولته وشهامته، وتطل على واقعه المؤلم الذي يعيشه كرجل فقد عقله وما يمثله من عبثية حياة الإنسان بصراعه مع طواحين الهواء فتشفق عليه وترثى لحاله، وحين رأى الناس مدى بؤس حاله رغبوا في علاجه ورسموا لذلك مخططات لجعله يعود إلى قصره، وفي نهاية القصة حين ينتصر في خياله على كل أعدائه وحين أراد أن يفرح بإنتصاره، يدرك أخيرا دون ألونسو أنّه مجرد مجنون ولا فائدة ولا أمل يرجى منه، فأُصيب بحمّى شديدة مات على إثرها وهو على سريره ..