" لكل منا سرٍ يخفيه طوال حياته ويحارب من أجل ستره مراتٍ ومراتٍ، ولكن هناك من يختفي خلف ستار حياتك، يرمقك بكل لحظةٍ منتظرًا الفرصة المناسبة لفضحك حتى وإن كانت تلك الفرصة بعد إغلاق لحدكِ فاحترس، و أمحي كل اثرٍ لأسرارك قبل موتِك ".
" أنت ملعون.. من ينبش قبرًا فهو ملعون ".
موت الأم بجميع مراحل العمر يحتاج إلى مساعدة في الإدراك لتقبل وتخطي تلك المرحلة، لكن الطفل يحيى لم يجد من يُساعده في إدراك ذلك، فذهب إلى المقابر بعد دفن امه وحطم فجوة الحائط ليتخطها إلى أحضان العالم بنسبة إليه، قضى ليلته في حضن امه بأول ليلةٍ في قبرها حتى عثر عليه آباه في الصباح ولم يكتفي بانه لم يساعد وَلده على فهم الأمر بل انهال عليه بالضرب وقام بتغير مكان دفن والدته وحتى موته لم يخبره بمكان دفنها.
" انا المعلق بين الحياة والموت، الشاهد على عذاب الآخرة بمنتظر الجحيم والممنوح فرصة وحيدة للعودة، المصارع لخطايا الآخرين بأجسادهم لأمحوها لي ولهم، هذا قدري، متسابق يحمل أوزارًا تكفي امة ".
تلك كانت بداية اللعنة حتى بلغ يحيى السن الذي يجعله خادم لعنته، يستيقظ من نومه على حلم مُفزع من جهنم لأحضان حور عين ثم يشاهد جريمة قتل وعندما يفيق يكتشف أن تلك الجريمة حدثت بالفعل..!
لم يسعه الوقت ليقع فريسة التساؤلات وتفاجئ بالكثيرين يقتحمون الغرفة متجهين إلى الحمام وكأنهم لا يروه، استمع إلى صراخهم وترديدهم لذكر الله، وكان السبب أنهم وجدوا جثة يحيى متعفنة بالداخل..!
" أتبكي الأرواح ايضًا؟ ظننت أن البكاء صفة بشرية تنتهي بخروج الروح ".
تحول يحيى إلى روحٍ هائمة وجسده الذي غادره اتهم بجريمة القتل تلك، وما نفى عنه الإتهام أنه فقد روحه قبل تلك الجريمة بثلاثة أيام.
حتى هنا كنت أظن أن هذه ستكون الحكاية فقط حتى تسارعت الأحداث وتعددت الشخصيات، الكثير من جرائم القتل والتهديدات التي طالت الكاتب " يعقوب ادريس " فما الرابط بين كل ذلك ومن هو البهلوان القاتل ولماذا كل شيء يرتبط بـ نائب عزرائيل " جاسر عبد الرسول "، وما العلاقة التي تجمع بكل هؤلاء بالموساد الاسرائيلي.
كل تلك التساؤلات ستكشفها لك الصفحات مع متابعة رحلةٍ يحيى من جسد لأخر حتى ينهي تلك اللعنة ويعود إلى جسده و الحياة ليكمل مسيرة الإصلاح لكن في حياته هو لينول الجنة، فَرحلته إلى السماء ورؤية أهل النار ولفتت " ابليس يرحب بكم " كانت كفيلة بأن يفعل المستحيل لتغادره تلك اللعنة لكي يعود لإصلاح علاقته بربه حتى ينول جنته.
" دود طازج حي.. تأكله ويأكلك، لكن لا تخف. جسدك فقط هو من سيتحلل، ولكن ستظل روحك كاملة تتجدد كلما انتقص منها ".
رواية مبهرة، اللغة سردٍ وحوارٍ بالفصحى، خلط بين الماورأيت و البوليسية والمؤامرات بشكل ملحمي وبرغم كثرة الأحداث لم يهمل الكاتب الجانب العاطفي للأبطال ومشاعرهم، كان التعبير قوي وبعض المشاهد التي عُلقت بذهني كانت من المشاهد الطاغية في المشاعر لحظة دفن جسد يحيى وهو يشاهده بروحه وثورانه لأنهم سيدفنوه برفقة والده.
الشيء الوحيد الذي لم أحبه بتلك الرواية هو دمج عالم روائي آخر داخل الرواية، وأستطيع تبرير ذلك بأن تلك الرواية من إصدارات عام 2018 وأعتقد بأني إذا كنت قرأتها حينها ما كنت سأشعر بذلك الأمر.
" تأدب مع خالقك، ستنفذ ما آمرك به حتى لو حاولت الرفض فلن تستطيع، بجرة قلم انهيك محروقًا أو مذبوحًا، وقد أجعلك منتحرًا بكلتا يديك.."