" الكاتب لا ينسى أول مرة يحصل فيها على نقود أو ثناء مقابل قصة ألفها، لا ينسى ابدًا أول مرة يشعر فيها بسم الغرور العذب يسري في دمائه، فيحسب أنه قادر على إخفاء انعدام موهبته عن الجميع، وأن حلمه الأدبي سيؤمن له سقفًا فوق رأسه، وطبقًا ساخنًا فى آخر النهار وأشد ما يرغب فيه على الإطلاق أن يرى اسمه مطبوعًا على غلاف ورقي بائس، سيعمر أكثر منه بلا شك، الكاتب محكوم بعدم نسيان تلك اللحظة، لأنها تتلاشى فى أوانها ويصبح لروحه ثمن ما..! ".
كانت مقدمة رائعة من الكاتب عرفتُ منها أن المغامرة هذه المرة سنخوضها بجسد الكاتب لا من جسد قارئ
الكاتب "دافيد مارتين" ذو السابعة عشرة عام، الذي تركته أمه صغيرًا برفقة أبيه العائد من الحرب ولا يملك قلبه سوى القسوة مما شاهده فى تلك الحرب، بعد أن حققت قصصه القصيرة روجٍ فى مدينته وصلت له رسالة من مجهول بأن يأتي إليه، وهناك.. رأى أمامه بطلة من صنعه أبرع قلمه في وصف جسدها وتفنن في خلق شخصها متجسدة قابلته تقول له هيت لك..!
و يبقى من أرسل الرسالة مجهول، تمُر الأيام وتدفن تلك الليلة بذكريات مارتين ويزداد إسمه إنتشارًا بين القراء ليأتي له عرضًا من جريدة آخرى ليكتب ولكن بإسمًا أخر، عقد يحتكره لسنوات طويلة مقابل الأموال التي تجعله يخرج من غرفته الكريهة إلى قصر البرج الذي تمنى أن يسكنه يومًا. لكن حتى وبرغم أنه بدأ بالكتابة بإسم أخر إلا أن النجاح ظل يعرف طريقة إليه، ولم يخفى عن مراسله المجهول إسلوبه وعرفه على الفور وعاد بإرسال الرسائل إليه ثم يظهر و يدمر حياته لحتى أصبح مجرمًا مطارد متهم بالقتل، أجبرته المأسي إلى أن يتحول إلى ذلك الشخص الذي إتهموه بأنه عليه حتى غدى كما أرادوا، تحول إلى المهاجم ليدافع عن قوة عقله، ذلك الطفل الذي كبر بين حفنة من الأوراق بين راحة يديك.
لعبة الملاك، يعتريك الظن تجاه الإسم، لما لم تسمى بـ لعبة الشيطان، أم أنه شيطان مُتخذ من رمز الملائكة وشاح؟
عجزت قليلًا أمام شخصية مارتين، أشعر تجاهه أحيانًا بالحب وآخرى بالشفقة ونادرًا بالبغض. كُتاب مقبرة الكتب لم تكن فقط كُتبهم نادرة بل حياتهم كانت لغزًا مْحير لكل من إختار منها كتاب.
إنتهيت فقط من الجزء الثاني وبداخلي هذا الإعتقاد، مع كامل شعوري بالأسف تجاه من سيُكتب فى مصيره أنه سيكون له كتابًا فى تلك المقبرة، فذلك يعني أن حياته حتماً ستكون جحيمًا، وذلك يثبت أن الكاتب يولد من رحم المعاناة..!
أما عن شعوري عند النهاية كان الإختناق..
خفق قلبي بحزن فكان نبضه مؤلم على تلك اللعنة التي أصابها الملاك أو الشيطان بـ مارتين، كانت تجربة ممتعة لكنها مأسوية، سيظل قلبي متذكرًا تلك المشاعر كُلما وقعت عيني على تلك الرواية بمكتبتي.
" الحياة علمتها بأننا نحتاج لأكاذيب كبيره وصغيره بقدر إحتياجنا للهواء، أننا لو إستطعنا رؤية حياتنا على حقيقتها ونفوسنا على حقيقتها ليوم واحد فقط من الفجر إلى الغروب بكامل الوضوح ل لأنتحرنا أو فقدنا رشدنا ".