إن أهم المواضيع التي تشغل عقول الفلاسفة في الفكر المعاصر يمكن اختصارها في ثلاثية علم- فلسفة- ابستمولوجيا بالإضافة إلى علاقة هذه المفاهيم بالتاريخ، ويرجع الاهتمام الكبير بهذه المفاهيم دون غيرها إلى عوامل ذاتية تخص المجالات التي تعالجها هذه المفاهيم وأخرى خارجية، إذ أن العلم بطابعه النظري والتطبيقي والتجريبي فرض نفسه على الساحة الثقافية من خلال التقدم الهائل الذي احرزه في عدة ميادين مثل الفيزياء والكيمياء والتكنولوجيا وغيرها، ثم لم يلبث طويلا حتى رأينا كثير من المنتمين إليه يحاولون جاهدا إزاحة كل المجلات المعرفية الأخرى من الساحة الثقافية مرتكزين في ذلك على تبريرات كثيرة اهمها الصرامة والدقة والتحقق والقابلية للتجريب كصفات يتفرد بها دون غيره، ومن هنا نشأ ذلك النقاش والصراع حول هذا التقديس للعلم والتشكيك في مبادئه، وعلى الرغم من أن الفلسفة كنت تعتبر أم العلوم أو لنقل مجالا معرفيا بذاته على الأقل، إلا أنها لم تسلم من ذلك التهميش والإقصاء من الساحة المعرفية بحجة أن كل مواضيعها مجردة وميتافيزيقية ولم تساهم في أي تطور علمي يذكر، وعلى هذا النحو بدأت تظهر على الساحة مذاهب واتجاهات عِلمانية من جهة، وفلسفية عقلية من جهة أخرى، والمفارقة التي أدى إليها هذا الصراع هو أنه في الحين الذي أقصى العلم الفلسفة من مجال المعرفة البشرية كانت الفلسفة دائما تعظمه وتضعه على رأس المعارف البشرية، ولم تنازع العلم في ميدانه إلا في اتخاذها للابستمولوجيا فرعا خاصا لها تحاول من خلاله تقويم العلم ومساعدته على بلوغ أعلى رجات رقيه وتقدمه.
ولما كان التاريخ مرتبطا بهذه المجالات الثلاثة كان لزاما علينا أن نعود إلى دراسة جذور هذه المجالات، وما كان منا إلا أن نخرج بقراءتنا الخاصة لجزء من التراث الفلسفي الاغريقي وكذا الفلسفة الاسلامية ثم الفلسفة الغربية منذ عصر النهضة حتى يومنا هذا، وكل ذلك كان مرتبطا عندنا بصيرورة لضرب من ضروب فلسفة لطالما أهملت ألا وهي الفلسفة النسبوية، إلا أن خصائص هذه الفلسفة عادة إلى الساحة المعرفية بمناهج وطرق مختلفة على يد كثيرين من فلاسفة العلم المعاصرين وذلك كان ثمرة تقدم العلم نفسه والنتائج التي انتهى إليها، ولذلك واصلنا قراءتنا لهذه التوجهات المعاصرة للفلسفة النسبوية بدأ من فيلسوف العلم الشهير كارل بوبر نهاية عند أكثر المشتغلين بفلسفة العلم جدلا في عصرنا وهو بول فايراباند، وهذا كان
بعد أن شرحنا أهم المشاكل التي واجهها العلم في طريقه ونظرتنا إلى تلك المشاكل مثل أزمة الأسس في الرياضيات، والتحولات التي طرأت على فلسفة اللغة، مشكلة الوعي، المشاكل التي آثرتها الفيزياء المعاصرة وميكانيكا الكم، مشكلة أهم مبدأ عقلي في المنطق الصوري ألا وهو مبدأ السببية، ومحاولة أحد أكثر المذاهب شهرة في القرن العشرين لتحصين العلم ضد هذه المشاكل ألا وهو الوضعية المنطقية، وفي الأخير قدمنا بعض الملاحظات التي شرحنا من خلالها فلسفتنا ومقصودنا من مفهوم النسبوية التي نعتبرها فلسفة المستقبل ومرحلة تالية لما بعد الحداثة، وهنا يجب أن نظيف ملاحظة مهمة ألا وهي أن بعض فصول هذا الكتاب كتبت على فترات متباينة كفصل نظريات أولية (مقدمات) الذي كان معدا لكتاب آخر ثم وضعته في هذا الكتاب بعد أن قررت عدم نشر الكتاب الأول وكذلك الفصل المعنون نظرات فلسفية نسبوية في كثير مما جاء فيه كان تابعا للكتاب الأول إلا أني حاولت إعادة صياغتها بنفس لغة ونسق هذا الكتاب وعليه فإن أي اختلاف في النسق العام لكتاب يعود لهذا السبب.
اسم المستقل | سيد علي ب. |
عدد الإعجابات | 0 |
عدد المشاهدات | 22 |
تاريخ الإضافة | |
تاريخ الإنجاز |