لا مكان للاختباء..
احتلت على الموت مرات ومرات؛ فنجوت بأعجوبة من بين أنيابه الحادة، ففي ذاك الـمساء بات قريباً مني قرب ظلي، فتذكرت حضن أمي، ذاك الحضن الذي ططالما كان ملجأي، فأخبرتها والخوف يطبع شامته السوداء في وجهي:
- لقد حاول أن يسرقني منك...
- لا عليك يا ولدي، عين الله ترعاك، اذهب إلى تلك البلاد، ستجد فيها أمناً وسلام..
حزمت حقائبي في رحلة لمطاردة الحلم، كانت دعوات أمي زادي حين الجوع وصوتها وطني في الغربة..
وفي ليلة غير مقمرة، فظ رنين الهاتف مسمعي، فهلعت أعانق ذاك الصوت القادم من وراء السماعة، لقد كانت أمي تسألني عن حالي!
لم أكد أنهي المكالمة حتى صدمت بالموت وهو يتسمر أمامي، ذهلت وخارت أقدامي، كان يحدق بعيوني..
- يا الله أين أنتِ يا أمي، من ذا الذي ينقذني من هذا الوحش الآن؟؟
لم يكن لدي أي مكان أختبئ به، ويا لها من ذكريات، مرت أمامي بلمح البصر كان آخرها كتاب قرأته البارحة، كان بعنوان: "لا مكان للاختباء"..
استعطفت الموت والآهات تعصر قلبي..
- لقد أخبرت أمي أنني سأعود أرجوك دعني وشأني، انتظرني ريثما أعود، الحبيبة هناك تنتظرني، أبصارها شاخصة نحو الأفق، يمر من أمامها طيفي، تداعبها رائحة عطري.. أيها الموت أرجوك فقد وعدت الوطن أن أعود..
لقد أجابني والسخرية تطلوا وجهه الأسود:
- لقد أمرتني حكوماتكم بأن أبلعكم فرداً فرداً، لقد وُظفت لأصطادكم في الطرقات والأزقة..
لم أستطع سماع الموت أكثر، فخيل لي بأن تلك النافذة ملجأي الوحيد من أنيابه السامة، يا الله.. لكني وجدتها تشبه وطني كثيراً فخدعتني وسلمتني له حد البلعوم!!
كل شيء في هذا الوطن خائن أيها العربي، ولا مكان لك للاختباء..
محمود الكردي
اسم المستقل | محمود ا. |
عدد الإعجابات | 0 |
عدد المشاهدات | 22 |
تاريخ الإضافة | |
تاريخ الإنجاز |