قصة قصيرة بعنوان طوفان كلماتي
نشرت ورقيا في كتاب لمجموعة من الكتّاب العرب
ونشرت في موقع شيزوفرينيا الادبي
الكاتبة : نعمت السيد
العنوان: طوفان كلماتي
التوقيت: اشتياقي الذي لا ينضب
إلى عينيكِ المترحة أبداً
إلى نظراتكِ المرثيّة، إلى تأمّلاتكِ الكثيرة بي، ومحاولاتكِ التي لا تعرف الملل لترجمة أفعالي، إلى حيرتكِ وتساؤلاتك لنظراتي الصَقِعَة، أكتب..
بعد أعوامٍ متكدّسةٍ بالتعب، بعد أن رحلتِ بأسئلةٍ يتيمةٍ دون إجابات، وقلب أمٍ مغرق بالدموع .
أعلم جيداً بأني لست الطفل الذي تمنيتِ الفوز به بعد جهد الأشهر التسعه، و أن شعور الفلاح جاء متلازماً بالحسرة والرجاء، وأن الأمل بشفائي جاء متقطعاً مهترئ، أعلم بأن قلبك العظيم أبى الاستسلام، وأن كلمة إعاقة أبت أن تحطّ بين طيّات قناعتك يوماً.
أكتب اليوم عن كومة أسراري، أخرج كلماتي التي دفنت كفرعون في كهف عميق،
كنتُ طفلاً مختبئ بجسد طفل آخر صدقيني، بحت لك بالكثير لكن صوتي أبى الوصول، وضحكاتي معك حين تلاعبيني كانت كثيرة كبيرة ومدوّية لكن شفتاي شاءت العبور لممرات أضيق لا حفيف لها، ناديتني باستمرار، كنت أردّ وآذاني صاغية إليك لكن شكلي كان يحلّق بانعزالٍ يأبى الإطاعة.
نظرات دهشتك المتفاجئة تخبرني بخطبٍ ما لا أعلم عنه شيء، ثم أتنبّه لاهتزازي العفوي ودون قصدٍ مني، كم تمنيت إيقافه لكن أمري دائماً ثابَ بزلل .
اليوم وبعد مروري بعشرات المدربين والكثير الكثير من المعالجين، وبعد تقدّمي الملحوظ لمحاولات ولوجي حيّز إيصالي وتعبيري، أشعر بأني لم أعد أحتاج سواكِ، أنت فقط مرساة سفينتي الضائعة، أحتاجك لأفرغ أطنان مشاعري وطوفان كلماتي.
أكتبُ إليكِ وأنا أعتلي الدّرجة الثانية والثلاثون على سلّم عمري، أهدهد خدّي على بلاطة قبرك، أتلمّس ذكرياتي ممسكاً بنبرات صوتك وحنوّك.
قدرك لم يستطع الانتظار أكثر، أخذك على عجلة من أمره، وسط ازدحام مسؤولياتكِ تجاهي، أنا الذي أطفأتُ بريقَ عينيكِ منذ بلوغي عامي الثالث واكتشافكِ لتوحدي الذي لا مفر منه.
أكتب لكِ عني، عن ما سكن بروحي بعد رحيلك، عن انعزالي ورحيل وجداني وغياب شمسي للأبد.
أدخلني ابي مركزاً خاصاً فلم يستطع مراعاتي وحده وهو المنغمس بعمله من انبلاج الفجر حتى الأُفول، خضعت لتمارين يومية متنوعة من سيدة عشرينية عاملتني بحب ممزوج بشفقة، حاولت جاهدة مساعدتي و تشجعيني لكنها لم تدرك أبداً بأني كنت بقمة رفضي وتوتري أبحث عنكِ باحاسيسي التي بُترت فجأة وتحولت من عالم مليئ بالحبّ لعالم آخر عمليّ وصعب، عانيت كثيراً من فقداني إياكِ بصمتٍ لم يلحظه أحد.
بعد كلّ تلك العلاجات المستمرة لايصالي لضفة التعبير، أعترف بأن جميع حروف اللغة لم تعد تكفيني لأكتب لكِ، أنا التواق لمعانقتك الرّاغب ببلوغ الفرحة في عيونك، انا الرّجل المعافى الذي تمنيتِ يا أمي، أصبحت متحكماً أكثر بأصابعي، معبراً عن نفسي و أحاسيسي.
أكتب لروحك المسافرة وياليتها تأتي لخمس دقائق فقط، أتلمّس مطلعك البهي وأشرب من عذوبة حنانك.
المسيني أمي، احضنيني بكلتا يديك، ادفني جسدي بصدرك عانقي روحي، خذيني إليك دون رجعة.
عار على الموت أن يأخذك مني وأنا بأمس الحاجة إليك، عار على الغياب أن يختارني وأنتِ ويكتب أسماءنا في فهرس محتوياته، عار على الفقدان أن يرانا.
مانفع شفائي بدونك، مانفع تحكمي باصابعي إن لم أستطع لمس وجهك بجمعهم سوية، مانفع تعبيري ولفظي إن لم أحادثك ليل نهار، ما نفع صوتي إن لم أضحك معك ضحكات مدوية، مانفع كتابتي لرسالتي تلك إن لم أعطيها لرسول سماوي يوصلها بكف يدك المباركة.
طويت ورقتي على كلماتي بينما تسيل منها انهزاماتي، رافعاً راياتي البيضاء معلناً عن جموع خسائري، حاملًا إعاقتي بانقسام قلبي وشجوني.
المرسل : المتوحد بحبك
اسم المستقل | نعمت ا. |
عدد الإعجابات | 0 |
عدد المشاهدات | 591 |
تاريخ الإضافة |